• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من جمال النظم القرآني في سورة الهُمَزَة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من جمال النظم القرآني في سورة الهُمَزَة

    من جمال النظم القرآني في سورة الهُمَزَة


    إن القارئ المتأمل في القرآن الكريم يلحظ فيما يلحظ من جمال النظم القرآني، ظاهرتينِ واضحتينِ؛ أولاهما: ترابط جُمَله وآياته؛ بحيث يأخذ بعضها برقاب بعض، والثانية: تلاؤم ألفاظه ومعانيه، ومجيئها على قدر المعنى الذي صيغت له.

    وحسب القارئ ـ برهانًا على ذلك ـ أن يقرأ أيَّة سورة من سور القرآن فلن يجد فيها إلا إحكامًا للربط، وتناسقًا تامًّا بين الآيات، وتلاؤمًا محكمًا بين ألفاظها ومعانيها.

    ونسوق بين يدَي القارئ الكريم نموذجًا تتمثل فيه هاتان الظاهرتان اللتان أشرنا إليهما ـ آنفًا ـ وهو سورة الهُمَزة.

    بين يدَي السورة:
    سورة الهُمَزة من السور المكية، نزلت في جماعة من المشركين كانوا أقاموا أنفسهم للَمْز المسلمين وسَبِّهم، واختلاق الأحدوثات السيئة عنهم، ومن هؤلاء: الوليد بن المغيرة، وأمية وأُبَيٌّ ابنَا خلف، والأخنس بن شريق، وغيرهم.

    والحكم لا يخص هؤلاء فقط، وإنما هو عام يتناول كل من اتَّصَف بذلك.

    وغرض السورة: وعيد هؤلاء الذين جعلوا هَمْز المسلمين ولَمْزهم ضربًا من ضروب أذاهم؛ طمعًا في أن يلجئهم المَلَل من أصناف الأذى إلى الانصراف عن الإسلام والرجوع إلى الشرك، وكذا وعيد كل من يتَّخِذ ذلك دَيْدَنًا وطبعًا وعادة إلى قيام الساعة.

    نعود ـ بعد هذا البيان ـ إلى الهدف من مقالنا، وهو شرح الظاهرتين اللتين أسلفناهما، فنقول وبالله التوفيق:

    أولًا: الترابط بين آي السورة:
    افتتحت السورة الكريمة بقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1]، فحكم جل شأنه بالهلاك وسوء الحال على كل من يقدح في الناس، ويستصغر شأنهم، ثم جاءت الآية الثانية لتُفسِّر وتُبيِّن مَن (الهمزة اللمزة)، فهو: ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ [الهمزة: 2]؛ أي: الذي أطغاه ماله، وحمله على احتقار الناس، أما الآية الثالثة فتأتي لتُبيِّن بطريق الإشارة التهكمية أن ماله حمله على هذا؛ لأنه لن ينتقل إلى الآخرة فيحاسب على عمله هذا.

    ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة: 3] ثم تأتي الآية الرابعة لتُشعِره بأنه واهم في ظنِّه، وتنذره بما ينتظره يوم القيامة ﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة: 4]، وتجيء الآيات [ 5 ـ 7 ] لتُبيِّن أمر هذه الحطمة؛ فيقول تعالى تهويلًا لشأنها، وتخويفًا من هولها الذي تنخلع له القلوب، وتحترق منه الأفئدة: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة: 5 - 7]، ثم تجيء الآيتانِ الأخيرتانِ من السورة لتؤكِّدا على عذاب هؤلاء عذابًا لا مَفَرَّ منه في نار مشتعلة ملتهبة، مغلقة بأعمدة محكمة الغلق؛ فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه رَوْح، ولا يخرج منه غَمٌّ ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة: 8، 9].

    والواقع أن الترابط يتعدَّى آيات السورة الواحدة ليُشكِّل ترابطًا بين السورة والسورة، فانظر معي إلى ختام هذه السورة الذي يُحدِّد نهاية كل (هُمَزة لُمَزة)، تجده مترابطًا ومتناسقًا تمامًا مع السورة التي تليها، وهي سورة الفيل؛ إذ جاءت سورة الفيل بمثابة الدليل والبرهان والشاهد على أن الله تعالى قادر على أن يُنْزل بهم ما توعَّدهم به من عذاب، فتبدأ السورة بهذا الاستفهام التقريري ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل: 1]، وكأن هذا الحدث ماثل أمام أعيننا، لا مجال فيه للإنكار، وتجد ـ كذلك ـ الترابط واضحًا بين سورتي الفيل وقريش، فلماذا أهلك الله أصحاب الفيل ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل: 5]؟ أهلكهم سبحانه ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ [قريش: 1]، وهكذا نجد الترابط في القرآن الكريم ليس بين آيات السورة الواحدة فحسب؛ بل بين السورة والسورة.

    ثانيًا: التلاؤم بين الألفاظ ومعانيها:
    من جمال التعبير القرآني التلاؤم المحكَم بين الألفاظ ومعانيها حسبما يتطلب الموقف ويقتضي السياق بحيث لو استبدلنا باللفظة القرآنية لفظة أخرى لاختلَّ المعنى، ونعرض هنا أمثلةً من سورة الهُمَزة لتوضيح ذلك:
    1- ﴿وَيْلٌ: يتضمن معناها ـ كما جاء في المعاجم وكتب التفسير والغريب ـ الخزي والفضيحة والشر والهلكة والعذاب وسوء الحال، ووادٍ في جهنم، فعبَّر القرآن عن كل هذه المعاني مجتمعة بلفظة واحدة هي ﴿وَيْلٌ، من باب الإيجاز؛ لأنها تشمل المعاني السابقة كلها.

    2- ﴿هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ: الهُمَزة من الهَمْز، وهو أن يعيب شخصٌ شخصًا بالإشارة بالعين، أو بالشدق، أو بالرأس بحضرته أو عند توليه. واللُّمَزة من اللَّمْز، وهو المواجهة بالعيب، ويُقال: الهامز، الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم، وقيل: يهمز بلسانه، ويلمز بعينه، وقيل: هما سواء، والخلاصة أن اللفظتين صفتانِ لكل مفسد بين الناس، متلمس لعيوبهم.

    وقد جاء التعبير القرآني بلفظتي (هُمَزة لُمَزة)، أولًا: لما في التعبير بهما من الإيجاز البليغ، وثانيًا: لأنهما تُجسِّدان صورةً حيةً ومشاهَدةً في الواقع، ممثلة في حركة العين واللسان والرأس، وثالثًا: مجيء اللفظتين على صيغة (فُعَلَة)، وهي صيغة مبالغة، تدل على كثرة صدور الفعل المصاغ منه، وتوحي بأنه صار عادةً راسخةً، ومتمكِّنة من الموصوف.

    3- ﴿عَدَّدَهُ: أي عَدَّ المال وأحصاه، ولكن استخدام ﴿عَدَّدَه بالتضعيف فيه مبالغة في العَدِّ، تدل على شدة ولَعِه بالمال، وحبِّه الشديد له؛ حتى صار عده عادةً له، وطبعًا فيه، كما يدل ذلك على التكالُب على جَمْع المال من أي مصدر كان؛ لأنه لا يُكرِّر عَدَّه إلا ليزيد جمعه.

    4- ﴿أَخْلَدَهُ: جاء الفعل ـ هنا ـ بصيغة الماضي، المراد به المستقبل، فلماذا آثر القرآن صيغة الماضي؟ لأن ذلك الذي شُغِل بجمع المال وتكرار عَدِّه، حصل عنده ما يشبه اليقين الجازم بأن هذا المال سيقيه الموت، ويحقق له الخلود، ولما كان هذا الاعتقاد متحققًا عنده، كأنه حصل وثبت، عبَّر عنه القرآن بصيغة الماضي، وفي هذا ما فيه من زيادة التهكُّم بمن يعتقد مثل ذلك الاعتقاد الباطل.

    5- ﴿لَيُنْبَذَنَّ: معناها، ليلقين أو ليطرحن، وقد عدل القرآن عن التعبير بإحدى اللفظتين إلى ﴿لَيُنْبَذَنَّ؛ لأن التعبير بها يضيف إلى معنى الطرح والإلقاء معنًى آخر؛ هو الترك والإهمال؛ فالمنبوذ هو المهمل المتروك ممن حوله، وهذا يُوحي بشدة ما يعانيه ذلك المطروح في النار؛ إذ اجتمع عليه عذابانِ: عذابٌ حسيٌّ ماديٌّ؛ وهو عذاب النار، وآخر معنوي نفسي؛ وهو شعوره بالوحدة، وإحساسه بأنه منبوذ مكروه حتى ممن يشاركونه العذاب.

    6- ﴿الْحُطَمَةُ: هي النار، لكن استخدام لفظة ﴿الْحُطَمَة أقوى وأبلغ؛ لأن الحَطْم في اللغة: الكسر، والحطمة التي تدق الشيء بعضه على بعض وتكسره وتبلعه، ويُقال: حَطَمَه، إذا دقَّه دقًّا عنيفًا، وسميت النار (حُطَمة)؛ لأنها تحطم الكافرين وتدقهم وتهشمهم، وفي هذا ما فيه من التخويف.

    7- ﴿نارُ اللَّهِ: إضافة النار إلى اسم الجلالة للتخويف والترويع بأنها نار خلقها القادر على خلق الأمور العظيمة.

    وفي الجملة فإن السورة الكريمة ترسم سورةً ماديةً ونفسيةً للعذاب، وصورة حسية ومعنوية للنار، نلاحظ فيها التقابُل بين الجرم وطريقة الجزاء وجو العقاب؛ فصورة الهُمَزة اللُّمَزة الذي دأب على السخرية من الناس والنيل من أعراضهم، صورة المتعالي الساخر المستقوي بماله، تقابلها صورة المنبوذ المتروك المهمل في ﴿الحُطَمة التي تحطم جسده وكبرياءه، وتكملة لصورة المحطم المنبوذ، هذه النار مقفلة عليه، لا ينقذه منها أحد، ولا يسأل عنه فيها أحد، وهو موثوق فيها إلى عمود كما تُوثَق البهائم بلا احترامٍ.

    المراجع:
    1- التحرير والتنوير: الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر.

    2- التعريف بالقرآن والحديث: محمد الزفزاف، القاهرة، ط1953.

    3- الجامع لأحكام القرآن: الإمام القرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت.

    4- دراسات قرآنية في جزء عَمَّ: الدكتور محمود أحمد نحلة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية.

    5- غرائب القرآن ورغائب الفرقان: النيسابوري، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.

    6- لسان العرب: ابن منظور، دار صادر، بيروت.

    7- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ابن عطية الأندلسي، طبعة قطر.

    8- نظرية الإعجاز القرآني وأثرها في النقد العربي القديم: الدكتور أحمد سيد عمار، دار الفكر، دمشق، 1998.






    الألوكة

  • #2
    جزاك الله خير

    تعليق


    • #3
      نفعنا الله بما نقرأ ونسمع وكتب الله اجرك ونفع بك

      تعليق


      • #4
        الله يعطيك العافية

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك


            ‏يامن سجد وجهي لوجهك ولازال
            يجني ثمار السجده اللي سجدها

            انا بوجهك من عنى الوقت لا مال
            وشر النفوس المبغضات وحسدها

            تعليق


            • #7
              بارك الله فيك
              يعطيك العافيه

              تعليق


              • #8
                ما شاء الله
                موضوع مفيد واكثر من رائع

                تعليق

                يعمل...
                X