البعضُ من الناسِ ينتابه الجزعُ والتذمّرٌ من تقلباتِ الحياة ، فهم يريدونها كما هي على وتيرة واحدة ، بل ويختارون إما على حالٍ عالٍ ، أو عالِ العال ، أو على الأقل تكون حياةً بلا منغّصات .
وهذه رؤيةٌ قاصرة ، فلله الحكمة في أن تتلون الحياة وتتبدّل أوضاعُها وإلا لسئمَ الناسُ حتى من حُسنها .
ولو نظرنا إلى خلقِ الإنسانِ نفسِه لوجدناه يتغير من ضعفٍ لقوةٍ ثم لضعف ، ولله في خلقه شئون .
قال تعالى :
(( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً )) .
فلو بقي الحالُ على نمطٍ واحدٍ لأختلّت موازين الكون والبقاء .
ومِن مِنَح الله علينا نحن المسلمين أن جعل أمرَنا كلَه خيراً في كل صورة .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن :
إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ ) .
ولابد أن ندركَ أن هذه الحياة هي مزيجٌ من الأضداد كتبها الله لتتناوبَ علينا ، فمنها ما هو لتمحيصِ العباد ، ومنها ما هو رزقٌ ساقه الله ، ومنها ما هو لحكمةٍ أختصها الله لنفسِه .
ثمانيةٌ لا بُدّ منها على الفتى****..
ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرورٌ وهمُ واجتماعٌ وفرقةٌ ..
****وعُسرٌ ويسرٌ ثم سُقمٌ وعافية
إذا فنحن كبَشرٍ أمامَ كل هذه الألون في حياتِنا فهي كالأمواجِ تأخذنا يمنةً ويسرة . وتعلو بنا وتنخفض ، وكل ذلك بتدبير الخالقِ سبحانه .
وما أنت فيه أخي الغالي من ضيق في الحالِ أوالمالِ أو خشيةِ المآل ثق أن ربَك سيغيّره ، فلا تتوقع أن حالَك سيكون هكذا طيلةَ الدهر .
دعِ المقاديرَ تمشي في أعنّتها ..
ولا تبيتنَّ إلا خالي البالي
ما بينَ طَرفةِ عينٍ وانتباهتِها ..
يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ
وكثيرٌ من الشعراء والروائيين قد رسموا تجاربَ لهم ومواقفَ في هذا المضمار ، ولنأخذ أحدَهم هنا في قصيدةِ لعبٍ باللون الجنوبي يتحدث عن تلوّن الحياة معه بين أمسِه ويومِه ، وقد مزَجَها كالعادةِ ببيتٍ غزَليٍّ يوحي بعدمِ الجزع وأنه متعايشٌ مع كل الظروف وينظر للحياة بتفاؤلٍ وسعادة ، فيقول الشاعرُ محمد بن مقبل القرني رحمه الله ( من قبيلة آل يزيد ) :
شاقَني طفلْ صيدن في اليبالْ وفي امسهولي ..
والله ما صاده الا اهل امّخَمّس ذا شَبَوا به
وابن مِجبِل يقول اليوم سَعدي وامسْ هَولي ..
يا الله يا خالجي لا اخلفْت شَهرن عن شَبُوبه .
ولكم ودادي .
تعليق