*عندما نتحدث عن مرحلة مهمة من مراحل العمر والتي تأتي بعد أن ضحى الإنسان بشبابه وحيويته وجل وقته في العمل سواءاً كان مدنياً أوعسكرياً والعسكري أشد مضاضةمن المدني، وليس في كل الأحوال، وبما أن هذه المرحلة سيمرُ عليها كل من تقلد منصباً أومكانة ،أو وظيفة مرموقةأو متوسطة أو ضعيفة، وهذه أرزاق قُسمت من رب الجلال قال تعالى:
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ.سورة الزخرف.الآية.(32).
*ومن واقع تجربه فإن كلمة( متقاعد أوغير متقاعد) هي كلمات فرضتها الأنظمة والقوانين لاجراءات معينة فقط، وليس ليحكم على من تقاعد أن يجد نفسه في مرحلة(مت قاعد) أي أجلس وانتظر الموت فهو آت لامحالة، والأعمار بيدملك الملوك الذي خلق كل شيء فقدره مع العلم أننا رأينا اؤناس قضوا حياتهم التي تجاوزت المائة عام وهم في جد واجتهاد ومثابرة وطلب للعلم ومنفعة الناس حتى أخذهم هادم الذات ومنهم على سبيل المثال لا الحصر(الشيخ العلامة.ابن باز رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. وكذلك الشيخ العلامة إبن عثيمين وغيرهما من أهل العلم والمكانة والقدر ، وكذلك من الرجال الذين وهبوا أنفسهم لله ورسوله ولم يكن السن بالنسبة لهم سوى أرقام فقط.
*بينما اليوم نجد الكثير من ألناس عندما يتجاوزون الأربعين أو الخمسين أو الستين من أعمارهم يصبحون يصلون في البيوت أو يصلون على الكراسي، أو يصلون جالسين بحجة أنهم لايستطيعون الذهاب للمسجد، أو عدم القدرة على الوقف مع الأمام والمصلين وعندما يذهبون للمناسبات أو يحضرون حفلة أو يذهبون لزيارة،وإذا بهم كالخيول التي تصول وتجول ولم يعودون هم أولئك الرجال الذين كنا نراهم غير ذلك في ميادين العبادة والعطاء والبناء والنماء فماهو سر ذلك.؟؟
*ومرحلة التقاعد تختلف من شخص إلى أخر وذلك أن البعض خرجوا من الخدمة عن قناعة وقد خططوا جيداً لتلك المرحلة، والبعض الآخر خرج مرغماً أخاك لابطل، والبعض الآخر وهم من فضل التقاعد المبكر وقد اتخذوا قراراً بناءً على ظروف معينه ولم يدرسوا ذلك جيداً فمنهم من انطلق في الآفاق ومنهم من جلس واستكان فقتلته الأمراض.
*ومن وجهة نظري الشخصية فإن أصناف المتقاعدين كالتالي:
*الصنف الأول:
هم فئةأصحاب الهمم العالية التي كانت تؤدي عملها بكل أمانة ومصداقية وإتقان واحترافية، ويراقبون الله في السر والعلن ،وهم ينظرون لمرحلة التقاعد بأنها مرحلة ذهبية من مراحل العمر وليست النهاية فهم وضعوا لأنفسهم خطط في مجالات مختلفة سواءا ً في العبادات أو الزيارات أو في السفريات أوالترويح عن النفس أو في إختيار الصحبة الطيبة التي تُعين على الخير وتدلُ عليه، أوالمساهمات في أعمال الخير والجمعيات التعاونية والخيرية ،أوالعناية بأنفسهم ومتابعتهم للأنشطة المفيدة ،ويقولون القادم أجمل والحياة مليئة بالتفاؤل والعمل الجاد والحيوية والنشاط، وهذه الفئة تجدهم يعيشون هذه المرحلة وكأنهم ولدوا من جديد لأن الحرية ثمنها غالي ولايعرفها إلا من فقدها مثل المرضى والمساجين والمعاقين وغيرهم ممن وجدوا أنفسهم في مواقف صعبة تجبرهم على عدم التحكم في وقتهم وتحقيق رغباتهم وحرياتهم وهذه الشريحة نجدهم الأكثر في المجتمع والحمد لله رب العالمين.
*الصنف الثاني:
وهم فئة المتذبذبين الذين كانوا يؤدون عملهم كيفما يكون بدون أهتمام أو جدية أو نشاط،بل كانوايرغبون التقاعد لغرض الخلاص من المسؤولية في العمل ومن جانب أخر لايرغبون التقاعد خوفاً من نقص الراتب وترك المكانة التي كانوا فيها وخاصةً الذين كانوا لهم صنة ورنة،ولهم شأن في مجال عملهم ومن مجرد حصولهم على التقاعد وإذا بهم يرددون لماذا نتقاعد أن كانوا تقاعدوا بناءً على طلبهم، وإن كانوا تقاعدوا الزامياً فهم خرجوا للواقع الذي ينتظرهم ولا خلاص لهم منه فهم يصابون بالحسرة والندامة وربما يصابون بحالات نفسية وحالات اكتئاب تؤدي إلى ماتؤدي إليه في نهاية حياتهم فلا يخرجون من البيوت ولايمارسون أي نشاطات مجتمعية أو رياضية أو البحث عن فرص عمل أخرى تعوض ماكانوا فيه فيصبحون حملاً ثقيلاً على أسرهم ومجتمعهم وهم قلة والحمد لله.
*الصنف الثالث:
وهم فئة المتذمرين والكُسالى والكثيرين الشكوى والذين كانوا يؤدون عملهم بتكاسل وعدم أهتمام والأهم لديهم هو الحصول على الراتب نهاية الشهر حتى لو لم يكن هناك إنتاجية،والذين يرون أن هذه المرحلة مرحلة النهاية فهم يستسلمون لكل شيء فلم يضعون لأنفسهم أي خطط مستقبلية بل أكثر كلامهم أن الراتب نقص والحياة أصبحت كئيبة، ولم نستطيع مقاومة الظروف،وتجدهم يعيشون في الحياة بدون أهداف وإنما يعيشون بعشوائية ولايتحملون مسؤولية وليس لهم أي مشاركات مجتمعية ولا أسرية وهم يمارسون حياتهم بدون أن يكون لهم بصمات حتى على مستوى أسرهم ناهيك أن يكونوا لبنات بناء في المجتمع،بل ربما بعضهم عاد إلى مسقط رأسه فتراه في المحاكم والشكاوي والمخاصمات والدعاوي التي ماانزل الله بها من سلطان،ويختم نهاية عُمره ربما بشهادة زور أوكذب أوحلف ونفاق من أجل شيء لايذكر والله المستعان وهم قلة في مجتمعنا والحمد لله رب العالمين.
*ومن هذا وذاك وعندما نتمعن في الحياة ونهايتها نجد إنها محطات ولابد من المرور بها والتزود منها بما ينفع للدار الآخرة الباقية وهوأمرٌ ضروري ومنها محطة مابعد التقاعد وهي مرحلة التزود بكل مايعين العبد على دنياه واخرتُه وهي المرحلة الذهبية من وجهة نظري لكل عاقل ولبيب وكما يقول الشاعر :
تزود من الدنيا فإنك راحل
وبادر فإن الموت لا شك نازل
نجاتك في الدنيا غرور وحسرة
وحزنك في الدنيا محال وباطل
ألا إنما الدنيا كمنزل راكب
أراح عشياً وهو في الصبح راحل
ولو يعلم الإنسان ما يلتقي غدا
بدار البقا ما غدا للشر فاعل
ألا إنما الدنيا كفخ مطوق
محبة ليشتاقوك فيه آكل
*ونسأل الله أن يجعل خير أعمالنا وأعمالكم خواتيمها،وخير أيامنا وايامكم يوم نلقاه وهو راضٍ عنا وان لايجعل الدنيا أكبرهمنا ولا مبلغ علمنا إنه القادر على ذلك وبالإجابة جدير.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواءالسبيل.
تعليق