السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما نتصفح التاريخ نجد أن التاريخ خلد سير رجال كان لهم أيادي بيضاء في السخاء، والإيثار، والجود، والكرم ،وتداولت الركبان والرحالة سيّرهم من آلاف السنين وأول من يذكر في أسمى معاني السخاء، والإيثار، والجود والكرم محمد صلّ الله عليه وسلم. وابوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وارضاهم، ومن سار على نهجهم من الصحابة والتابعين ،ولن ولن نوفيهم حقهم مهما تحدثنا عنهم فهم بلغوا الثريا وجادوا بانفسهم قبل أموالهم حتى أعزهم الله بهذا الدين ووصلوا إلى ماوصلوا إليه من مكانة في الدنيا والاخرة.
وهناسأتحدث عن رجال ليسوا مختلفين عنا فقدجادوا فبانوا وأثروا على أنفسهم فذُكِروا وتناقلت الركبان مأثرهم وسخاِئهم وجودِهم على الرغم من ضيق الحال في تلك الأزمان ،وقيل أن أجود أهل الجاهلية ثلاثة رجال هم: حاتم الطائي، وهرم بن سنان المري ،وكعب بن مامة الإيادي. ويبقى حاتم أشهرهم، ومضرب المثل في الأمصار، فيما الثاني ،أي هرم بن سنان، هو صاحب زهير بن أبي سلمى، الذي قال فيه:
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
أما كعب ثالث الثلاثة فلم يأت عنه إلا ما ذكر له من إيثاره رفيقه بالماء حتى مات عطشا بينما نجّى رفيقه.
وقدكانت قيم السخاء والإيثار صفات يفتخر بها العرب أفراداً وقبائل، ويتباهى بها شُعراؤهم، حتى إن حاتم الطائي قال في ذلك:
وعاذلةٌ قامت بليل تلومني
كأني إذا أعطيت مالي أضيمها
أعاذلةٌ إن الجود ليس بمهلكي
ولا مخلد النفس الشحيحة لؤمها
وتَذكرُ أخلاق الفتى وعظامُه
مغيبةٌ في اللحد بال رميمُها
وقائلةٌ أهلكت بالجود مالنا
ونفسُك حتى ضر نفسُك جودها
فقلت دعيني إنما تلك عادتي
لكل كريم عادةٌ يستعيدُها
*ونظير الجود والكرم حضرت في التاريخ العربي خصلتان هما البخل والشُح، بشخصيات وأحداث وحكايات، تولاها الأديب الألمعي أبو عثمان الجاحظ في كتابه الشهير( البُخلاء) وفيه يقول إنه جمع في هذا الكتاب (نوادر البخلاء) وإحتجاج الأشحاء.
*وصحيح أن الكرم والإيثار والبخل والشح خصال رديفة التاريخ الإنساني فهي حاضرة بدرجات متفاوتة في تجارب مختلف الشعوب والأمم على مر التاريخ.
*وانا هنا بصدد الحديث عن رجل من بني جلدتنا قرأتُ له إعلان وقد استوقفني كثيراًوربما استوقف غيري من القُراء الذين اطلعوا عليه ومضمونه كالتالي:
نظراً للصعوبات التي تواجه أبنائنا المتفوقين من أبناء القبيلة في القبول بالجامعات الحكومية في مجال الطب فأنا على إستعداد تام بابتعاث كل من يتم قبوله وتنطبق عليه الشروط في الجامعات الأهلية بمدينة الرياض والتكفل بجميع مصاريف الدراسة الجامعية لهم حتى تخرجهم،ومن تنطبق عليه الشروط عليه تسليم أوراقه للأبن. طارق.
الأستاذ (حسن بن معجب الحويزي الشهراني) من أبناء المنطقة الجنوبية(خميس مشيط).
*وهو رجل أعمال معروف ومشهود له بالخير ،فهنيئاً له بذلك وأمثاله من الرجال الطيبين والمحبين للخير وأهله،ونقول هل بعد هذا جود وكرم في وقتنا الحاضر وخصوصاً أن هناك من أصحاب رؤس الأموال والذين يتصدرون الإعلام والمجالس وهم أحياء يمشون بينناقد تخمت حساباتهم البنكية وجيوبهم من فضل الله عليهم ومن كرامات الله على هذه البلاد المباركة، ولكنهم لم يقدموا لأنفسهم شيئاً ناهيك بأن يُقدموا للمجتمع أو للآخرين معروفاً أو خدمة مجتمعية، أو مشروعاً تنموياً، اوخدمياً أو شيء يذكر فيشكر وكما يقول الشافعي:
قد ماتَ قومٌ وما ماتَت ْمكارِمُهم
وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ
*نعم اننا لانُنكر ولانُعمم جهود رجال من أبناء هذه البلاد وهبوا أنفسهم لأعمال الخيرونفع الله بهم البلاد والعباد في الداخل والخارج، وفي مجالات مختلفة، ولكنهم قلة وكما يقول الشاعر:
إذا جادت الدنُيا عليك فجُد بها
على الناسِ طرا إنها تَتقلبُ
فلا الجودُ يُفنيها إذا هي أقبلت
ولا البخلُ يُبقيها إذا هي تَذهبُ
*والبقية الباقية ينتظرون حتى ياتيهم هادم الذات وبعد ذلك تكون هذه ألأموال بأيدي من لايرحمونهم ولايذكرونهم بل سيشترون ويركبون، ويفاخرون ولايصدقون برحيل (حراس الغلة) الذين حرموا أنفسهم ،وأهليهم، ومجتمعهم من تلك الأموال التي جمعوها فاهلكتهم، ونحن لانقول لهم انفقوا كل مالديكم بل نقول لهم قدموا شيئاًقبل أن تُقدموا لذلك المكان الموحش المظلم الذي لاتجدون فيه من يؤنسكم ولايذكركم إلا عملكم الذي كان أمامكم من قبل وكما قال:
علي بن ذكوان:
أنفقْ ولا تخشَ إقلالًا فقد قُسمتْ
بين العبادِ مع الآجالِ أرزاقُ
لا ينفعُ البخلُ معْ دنيا موليةٍ
ولا يضرُّ مع الإقبالِ إنفاقُ
*والبعض من البشر يسير فوق الرمال ولا يترك اثرا يُذكر، واعداد كبيرة ممن حولنا لا أثر لهم،وأسأل نفسك أخي الفاضل دوماً ما الأثر الذي تركته ؟
*هل لوجودك أثر ؟هل لحروفك أثر؟هل هناك من عمل قدمته له أثر في أهلك، ومجتمعك، ووطنك؟
*ونقول لكل من يَعي ويُدرك نهاية الحياة،دع لك أثراً طيباً ،وسمعة طيبة، أو كلمة طيبة، تلقاها بعد مماتك.وبذلك فإن
أصناف الرجال في الجود أنواع وهم:
* من جاد بنفسه وماله وذلك قمة الجود والكرم والإيثار والله هو كفيله.
* من جاد بماله فترك له اثراًطيباًوذكراًحسنا وله الأجر والثواب من رب العباد.
* من جاد بنفسه لكونه لايملك مالاً وهذا أجره كبير عند الله.
* من لايجود بشيء حتى قطعة خبز أو برادة ماء سبيل فهو محروم ومن الذكر الحسن والاثر الطيب غير مذكور وفيه على شاكلته والله كثير، ولكن نقول(كلٌ ميسرٌ لِما خُلق له)
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواءالسبيل.
تعليق