الدبلوماسية السياسية وعلاقتها بالعصيدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عند بحثي في موضوع أزموي من الأزمات التي مرت على العالم خلال الحقبة المنصرمة بحكم تخصصي في مجال العلوم الاستراتيجية(الدراسات المستقبلية) وهو عن أزمة الصواريخ الكوبية التي حدثت في أكتوبر من عام (1962)والتي دفعت القوى العظمى في الحرب الباردة (الولايات المتحدة الأمريكية ) (والاتحاد السوفيتي سابقاً)(روسيا حالياً) إلى احتمالية وقوع حرب نووية وتعتبر واحدة من الاختبارات الأكثر صرامة للدبلوماسية العالمية في التاريخ.
*وقد كانت أزمة الصواريخ الكوبية فريدة من نوعها من خلال التواصل المفتوح والسري وسوء الفهم الاستراتيجي بين الجانبين.
وقد شكل الرئيس الامريكي(جون كينيدي) فريق عمل رفيع المستوى لإحتواء تلك الازمة وإيجاد الحلول المناسبة لها. وطُرحت أفكار ووجهات نظر من قبل ذلك الفريق ومنها فكرة للمفكر الأمريكي (لينين) وهي ((إذا صادفت سكينك شيئاً صلبا فلتتراجع)) أما إذا أصابت سكينك (عصيدة فلتتقدم)) وقد انحاز الرئيس الأمريكي (جون كينيدي) إلى هذا الرأي لمعرفته بالعواقب التي ستقع لوأستخدمت القوة الصلبة في تلك الأزمة وفضل إختيار القوة الناعمة وانتهت الأزمة بسلام.
*وقداستوقفتني كلمة(عصيدة) كثيراً لانني كنت أتوقع أن هذة الكلمة هي كلمة عامية تتداول لدينا فقط، وخصوصاً إن من السياسة لدينا أن تأكل عصيدة لكي تكسب القوة الجسدية وليست العقلية، والمرأة التي لا تعرف صُنع( العصيدة) في الزمن الماضي لديها نقص في إعدادها كزوجة للمستقبل. وتعريف العَصِيدَةُ لمن لا يعرفها هي :
دقيقٌ يُضافُ إِليه ثلاثةُ أَمثاله من الماءِ كَيْلاً، ولا يزال يُحَرَّكُ على نار هادئة حتى يَغْلُظَ قَوَامُه فيُصَبَّ عليه السَّمْنُ واللَّبَنُ المُحَلَّى بالعَسَلِ، فيصبح طعاماً لذيذاً. وكما يقال:
عَصَدَ العَصِيدةَ عَصْداً: عَمِلها.
ويقول الشاعر:
كيف تَنصـــب لعـــدوك فــــخ فيـــه قــد تُصيـــدة
رغم. ذلك فخصومـــي اوقــــعوني في مكيــــدة
استطاعوا يستغلوا نقطة ضعـــفي الوحيــــــدة
حين قالوالي هل تُقاوم دون لحمٍ أوعصيـــدة
*وعندما تمعنت في ذلك وجدت أن الكلام منطقي وخطير وهذا ينطبق على كثير من جوانب الحياة المعاصرة مثل:
*تلك الأزمات التي تقع بين الدول يجب أن تُدرس جيداً لكي تتم معرفة العدو المقابل هل هو صلب فتتراجع وتقدم تنازلات في سبيل عدم المواجهة خشية العواقب وتفاقم الأزمة و حدوث مالاتحمد عقباه حال وقوع حرب على أثر تلك الأزمة، أم إنه (كالعصيدة) تستطيع مقابلته والانتصار عليه بأقل الامكانيات والقدرات المتاحة لديك.
*كذلك المجتمعات عندما تغزوها الأفكار الهدامة وتكون بُنيتها التحتية صلبة قوية متماسكة تربُطها أواصر التعاون، والتكاتف، وحب الخير للغير، وحب الإنتماء لولاة الأمر وللوطن ، والايثار على النفس سيكون من الصعوبة الوصول إليها ،ولكن عندما تكون لينة، هينة، هشة، متفرقة، ضعيفة مثل (العصيدة) يستطيع الأعداء من الحاقدين والمرجفين والمتربصين وأصحاب الأهواء أكلها، والتهامها، والعبث بها وتشكيلها كما يريدون والوصل بها إلى الهاوية وتحقيق أهدافهم ومأربهم الخبيثة التي طالما خططوا لها.
*كذلك الأسرة وهي الأساس في أي مجتمع أو أمة اذا كانت صلبة وقوية ومتماسكة ذات دين، وأخلاق، وقيم ، ومباديء مترابطة ولها معاني سامية فلن يستطيع أحد الوصول إليها وإن كانت العكس خاوية،ومتفككة ليس لها اوأصر قوية تربطها ببعض وتحافظ عليها وصارت (كالعصيدة) فقد سهل أكلها وتشتيتُها، وهدمها وبذلك يسهل هدم المجتمع والأمة التي تنتمي إليها تلك الأسرة.
*كذلك عندما تقع الخلافات بين الأفراد تجد ان الشخص يتأكد من هو الشخص الذي أمامه هل هوصلب فيتراجع أم إنه ناعم (كالعصيدة) فيلتهمه ويمثل به اشنع تمثيل ويصبح معروفاً لدى الآخرين بما حدث له من نكاية بل تصبح حكاية.
*فحذاري ثم حذاري أيها الكرماءُ، الفضلاءُ، النجباءُ النبلاءُ أبناء هذة البلاد المباركة بلد الحرمين الشريفين، مهبط الوحي، ومهوى أفئدة المسلمين من أنحاء المعمورة أن نتخلى عن ديننا، وقيمنا، وأخلاقنا ،وعاداتنا، وتقالدينا، في زمن العولمة، وماأدراك ماالعولمة، والتقنية، ووسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا ،والانفلات المجتمعي نحو المتغيرات المتسارعة التي لم يكن لها مثيل في تاريخ البشرية. فنصبحُ (كالعصيدة)يسهل أكلها والتهامها وليس هذا فقط بل سيؤكل الحم ويشرب المرق، ومن ثم لايفيد الندم والحسرة وكلمة( ياليت) التي لاتنفع حين وقوع الشيء الغير مأمول وعلى كل الأصعدةِ وجوانب الحياة المختلفة. ولنا في من حولنا ومن سَبقُنا في الحضارة عبرة وعظة وتجارب، والعاقل من اتعظ بغيره.
*حفظ اللَّه هذه البلاد المقدسة، واعزها بدينها، وولاة أمرها، ورجالها، وعلمائها، ومشائخها، وشبابها الاشاوس من الفتيان والفتيات الذين هم عمُادها وسؤددها، ومصدر تقدمها، ورفعتها بين الأمم.
والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل.
*
بقلم/العميد الركن. م. شايح عبدالله القرني
تعليق