• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الصبر من محاسن الأخلاق الإسلامية ‏.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصبر من محاسن الأخلاق الإسلامية ‏.

    الصبر من محاسن الأخلاق الإسلامية.
    ************

    ورد في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:

    (... وَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ، فَقَالَ: قَدْ سَأَلْتَ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ الْبَلاءَ، فَسَلْهُ الْعَافِيَةَ...) الحديث.
    الصبر: حبس النفس على المكاره.
    ومنزلته من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وقد تميز الصبر أن معه البشارة من الله تعالى للصابرين فقال جل شأنه ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 -157].
    في المقاييس الإنسانية؛ أن البشارة إنما تكون بسبب كسب مادي كالربح في التجارة أو معنوي كالنجاح، أما في المقاييس الإيمانية فالأمر يختلف، فالبشارة في الآية الكريمة ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ قد جاءت عن مصيبة، أو عن مصائب ومنها الموت، فالصابر، هو الذي إذا أصابته مصيبة رجَّع بقوله:
    ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾. والمعلوم أن ثواب البشارة الإنسانية، إما مالٌ عيناً، وإما ثناء على تلك البشارة. أما الثواب الإيماني فمختلف، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ أي: الصابرون، عليهم صلوات من ربهم ورحمة، والصلاة من الله تعالى للعبد هداية وحفظ و تكريم، فالثواب دنيوي وأخروي؛ دنيوي بالحفظ والرعاية والهداية، وأخروي، وهو لازم معنى الآية وما يستنتج منها وهو الجنة.
    قال ابن سعدي يرحمه الله في تفسيره هذه الآية الكريمة:
    (.. وأما من وفقه الله للصبر عند وجود لهذه المصائب، حبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً، واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره، أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه، لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير وأنفع منها، فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب، فالصابرون، هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة.
    ثم وصفهم بقوله ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ وهي كل ما يؤلم القلب، أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره من الخوف والجوع ونقص من الأموال الأنفس والثمرات، ﴿ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ﴾ أي: مملوكون لله، ليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين بمماليكه وأمواله، بل من كمال عبودية العبد، علمه بأن وقوع البلية من المالك العليم الذي هو أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك.
    ﴿ أُولَئِكَ ﴾ الموصوفون بالصبر المذكور.
    ﴿ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ أي: ثناء وتنويه بحالهم ورحمة عظيمة، ومن رحمته إياهم أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر
    ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله وأنهم إليه راجعون وعملوا به وهو هنا صبرهم لله. ودلت هذه الآية على أن من لم يصبر، فله ضد ما لهم، فحصل لهم الذم من الله والعقوبة والضلال والخسارة)[1]
    ويقول الله سبحانه وتعالى في الصابرين:
    ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10] ويقول: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5] قيل: هو الصبر بلا شكوى.
    ويقول تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].
    كل ذلك حرصاً من الله تعالى على عباده المؤمنين أن يثبتوا عند الشدائد والآفات والعلل وذلك لتمحيص الصف الإسلامي ليتبين المسلم الصادق في إسلامه الصابر على الشدائد، من المسلم الضعيف أو المرائي قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ﴾ [محمد: 31]. والصبر مع الإيمان من عزائم الأمور، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].
    وفي القرآن الكريم أكثر من مئة آية في الصبر.
    وجاء الوحي الثاني مكملاً الوحي الأول:
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده (ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبّره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً ولا أوسع من الصبر) متفق عليه.
    وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله إلى خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إذا أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم.
    وفي هذا الحديث الشريف بشارة من رسول الله للمؤمنين وذلك في قوله: "إذا أصابته سراء شكر". إن الأداة (إذا) تدخل على الجملة التي يغلب وقوع جوابها أو يكثر حصول جوابها. كقولك لمن تعلم أنه سيذهب إلى المكتبة مثلاً تقول: إذا ذهبت إلى المكتبة فاشتر لي كتاباً.
    أما الأداة (إنْ) فإنها تدخل على الجمل التي قليلاً ما يقع جوابها أو يرجح ألا يقع، كمن يقول: إن ذهبت إلى المكتبة فاشتر لي كتاباً، فيجيبه المخاطب: لا أريد أن أذهب إلى المكتبة، فيكرر الخطاب مرة ثانية بلغة التقليل فيقول: إنْ ذهبت.
    والصبر أنواع:
    صبر على طاعة، وصبر عن الوقوع في معصية، وصبر على ابتلاء، وصبر عن أذى الناس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لأن تعاشر الناس وتصبر على أذاهم خير من أن لا تعاشر الناس ولا تصبر على أذاهم".
    وفي المجتمع فئات من الناس تزعجك في سلوكهم وتصرفاتهم، فاصبر عليهم ولا سيما إذا كنت قوياً رياضياً مثلاً، فلا تتعجل عليهم، ولا تستعمل قوتك للإفساد في الأرض، بل اجعل الحلم عليهم نبراسك، اصبر، واجعل قوتك في سبيل مساعدة من يستحق المساعدة، وإذا كنت في قوم مجتمعين فلا ينفض مجلسكم حتى تقرؤوا هذه السورة الكريمة: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].
    (والصبر من محاسن الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم واحتمال الأذى في ذات الله وابتغاء مرضاته، فالمسلم يحبس نفسه على ما تكره، ويحبسها على البلاء إذا نزل بها، فلا يتركها تجزع ولا تسخط، وإذا استحكمت الأزمات وتعقدت حبالها، فالصبر وحده هو الذي يشيع للمسلم النور العاصم من التخبط، والهداية الواقية من القنوط، وعلى المسلم أن يظل موفور الثقة بالله ثابتاً على إيمانه عند الشدائد والابتلاءات قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31].
    وقال سبحانه ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].
    والصبر وعدم الجزع مثله مثل الحلم من الأخلاق التي تكتسب وتنال بنوع من الرياضة والمجاهدة[2].
    إذاً؛ فالصبر أنواع؛ منه صبر على طاعة، ومنه صبر عن معصية. ومنه صبر على أذى.
    ويجب أن نعرف، أن من الناس من يصبر ولا أجر له ولا مثوبة، كمن يصبر على معصية هو واقع فيها، أو متربص لها، كاللصوص والفجار، ومن يريدون الإيقاع بالآخرين.
    فالمسلم يصبر محتسباً، راضياً بقضاء الله وقدره، يرجو ثوابه ويخشى عقابه.
    (والصبر يعتمد على حقيقتين خطيرتين:
    أما الأولى فتتعلق بطبيعة الحياة الدنيا، فإن اله لم يجعلها دار جزاء وقرار، بل جعلها دار تمحيص وامتحان، والفترة التي يقضيها المرء فيها تجارب متصلة الحلقات.
    وأما الحقيقة الأخرى، فتتعلق بطبيعة الإيمان، إن الإيمان صلة بين الإنسان وبين الله عز وجل ن والإيمان لا بد أن تخضع صلته للابتلاء الذي يمحصها؛ فإما كشف عن طيبها، وإما كشف عن زيفها قال الله تعالى (أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت 2و3.على هاتين الحقيقتين يقوم الصبر.
    والصبر من معالم العظمة وشارات الكمال ومن دلائل هيمنة النفس على ما حولها، والصبر من عناصر الرجولة الناضجة)[3].
    أرأيت كيف يربي الإسلام العظماء؟ عظماء وهم شباب يافع، تصور أن شاباً في رمضان، وطلب إليه أن يفطر نهاراً، فهل يرضى بالإفطار؟.
    أوربا تعد القائد نابليون بونابرت من أعظم القادة في العالم ويقول نابليون عن نفسه، بعد أن قرأ سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه: أنا تلميذ خالد.
    خالد ولد قائداً، فهو موهوب على القيادة، وقد استعد لها منذ ولج باب الحياة، وخالد قد تخرج من مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولولا إسلامه لكان بطلاً شعبياً تروي سيرته المقاهي وبيوتات البادية، على غرار سيرة عنترة وتغريبة بني هلال والزير سالم، أمَّا أن يكون سيفاً من سيوف الله، وقد حطم هيبة الفرس في العراق ممهداً لتقويض دولتهم نهائياً في القادسية ونهاوند بعد أن زلزل العروش من تحت أصحابها الأكاسرة.
    وفي اليرموك، لما تقدم مئتا ألف من الروم قال الصديق: والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، وقال عجزت النساء أن يلدن مثل خالد بن الوليد.
    وفي مؤتة تكسرت تسعة أسياف ولم تقم في يده إلا صحيفة يمانية، وكان عدد الجيش في هذه المعركة ثلاثة آلاف وعدد الروم مئتي ألف مقاتل، أي، كان على كل مسلم في جيش مؤتة أن يقاتل أكثر من ثلاثين من الروم، منهم مئة ألف من العرب، ومئة ألف من الروم.
    وكم تقدر عدد القتلى من هؤلاء وهؤلاء؟ لندع الحافظ الثقة إسماعيل بن كثير في موسوعته العظيمة (البداية والنهاية) في خبر مؤتة، وإليك ملخص الخبر[4]:
    غزوة مؤتة:
    عن عروة بن الزبير قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فتجهز الناس ثم تهيؤوا للخروج وهم ثلاثة آلاف.
    ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيعهم ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغ الناس أن هرقل نزل مآب من أرض البلقاء في مئة ألف من الروم، وانضم إليه من لخم وجذام والقين وبهراء وبليّ مئة ألف منهم، فلما بلغ المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، قال: فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون. الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين؛ إما ظهور وإما شهادة. فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة فمضى الناس. عن أبي هريرة قال: شهدت مؤتة فلما دنا منا المشركون رأينا مالا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب فبرق بصري فقال لي ثابت بن أقرم: ياأبا هريرة، كأنك ترى جموعاً كثيرة قلت: نعم قال: إنك لم تشهد معنا بدراً، إنا لم ننصر بالكثرة. ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام قتل وهو يقول:
    يا حبذا الجنة واقترابها
    طيبةً وبارداً شرابها
    والروم روم قد دنا عذابها
    كافرة بعيدة أنسابها
    علي إذ لاقيتها ضرابها
    فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ثم قال:
    يا نفس إن لا تُقَتلي تموتي
    هذا حِمام الموت قد صليتِ
    وما تمنيت فقد أعطيت
    إن تفعلي فعلهما هديت
    ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه. ثم أخذ الراية ثابت ابن أقرم فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل. فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف بالناس. ولما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ((الآن حمي الوطيس))[5].
    قال الواقدي:
    لما قتل ابن رواحة مساء، بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته، وساقته مقدمته وميمنته ميسرته، قال: فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم وقالوا: قد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين، قال فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم.
    وهذا يوافق ما ذكره موسى بن عقبة رحمه الله في مغازيه قال ابن إسحاق: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه قال: وجعل الناس يحثون عليهم التراب ويقولون: يا فُرار فررتم في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم الكُرار إن شاء الله تعالى.
    وهذا مرسل من هذا الوجه وفيه غرابة.
    وعندي - والقول لابن كثير - أن ابن إسحاق قد وهم في هذا السياق فظن أن هذا لجمهور الجيش، وإنما كان للذين فروا حين التقى الجمعان، وأما بقيتهم فلم يفروا بل نصروا كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر في قوله: ((ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه)).
    فما كان المسلمون ليسموهم فراراً بعد ذلك، وإنما تلقوهم إكراماً لهم وإعظاماً، وإنما كان التأنيب وحثي التراب للذين فروا وتركوهم هنالك وقد كان فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وقد استشهد يوم مؤتة من المسلمين أربعة من المهاجرين وهم؛ جعفر أبي طالب وزيد ابن حارثة ومسعود بن الأسود ووهب بن سعد، وأربعة من الأنصار وهم؛ عبد الله بن رواحة وعباد بن قيس الخزرجيان والحارث بن النعمان النجاري وسراقة بن عمرو المازني. فمجموع من قتل من المسلمين يومئذ هؤلاء الثمانية على ما ذكره ابن إسحاق.
    لكن قال ابن هشام: وممن استشهد يوم مؤتة فيما ذكره ابن شهاب الزهري: أبو كليب وجابر ابنا عمرو بن زيد المازنيان وهما شقيقان لأب وأم، وعمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث فهؤلاء أربعة من الأنصار أيضاً فالمجموع على القولين اثنا عشر رجلاً. وقد قتل من المشركين خلق كثير؛ هذا خالد وحده يقول: لقد اندقت في يدي يومئذ تسعة أسياف، وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية.
    فلولا صبر خالد في المعارك هل يستطيع أن يحقق كل هذه المنجزات؟ ولولا الصبر، هل يستطيع ثلاثة آلاف أن يكتسحوا مئتي ألف هذا الاكتساح الساحق؟ إن طفلاً مسلماً يستطيع بالصوم أن يصبر على الطعام والشراب ما لم يستطعه نابليون بونابرت؛ فلما زاد وزنه بالسمنة نصحه طبيبه بالحمية، فازداد سمنة، وبعد أن رصد خطاه، علم أن القائد العظيم كان يتسلل إلى عشيقته ويتناول معها الكاتو.
    أي تربية عملية، هذه التي يربي بها الإسلام أتباعه! وأي انتصارات تلك التي حققها أولئك الأبطال في شهر الصيام، شهر البطولات والفتوحات، بدءاً من بدر وانتهاء بفتح مكة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أكثر المعارك والانتصارات في شهر رمضان في رايات الظفر لدى سلفنا الصالح. فالنصر معقود بالصبر، في المعارك وفي الحياة النصر، إن الله مع الصابرين، ينصرهم على أعدائهم وينصرهم على أنفسهم، وينصرهم على شياطين الجن والإنس.
    [1] تفسير ابن سعدي ط1 نشر دار الصميعي.
    [2] الأخلاق في الإسلام. ص 180.
    [3] الثقافة الإسلامية للحبنكه والغزالي ص 231.
    [4] مختصر البداية والنهاية د. أحمد الخاني ج 2 ص 200.
    [5] أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم 1679.





  • #2
    الله يعطيك العافيه

    تعليق


    • #3
      مشكوووووور والله يعطيك العافيه

      تعليق


      • #4
        بارك الله فيك

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً

          احترامي وتقديري

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيرا
              وبارك فيك


              ‏يامن سجد وجهي لوجهك ولازال
              يجني ثمار السجده اللي سجدها

              انا بوجهك من عنى الوقت لا مال
              وشر النفوس المبغضات وحسدها

              تعليق


              • #8
                شكرا لمروركم العطر
                لكم مني كل التقدير




                تعليق


                • #9
                  يعطيك العافيه

                  تعليق


                  • #10

                    تعليق


                    • #11
                      بارك الله فيك وجزاك الله خيرا ً
                      وجعله فى ميزان حسناتك

                      تعليق


                      • #12
                        شكرا لمروركم العطر
                        لكم مني كل التقدير




                        تعليق

                        يعمل...
                        X