بسم الله الرحمن الرحيم
طرق الوقاية من وباء كورونا
الشيخ : صلاح بن محمد البدير
إمام وخطيب المسجد النبوي
عناصر الخطبة
1/لله حِكَم في الابتلاء بالأدواء 2/ضرورة التفاؤل وعدم القنوط 3/نصائح وإرشادات لتجنب العدوى 4/من الهدي النبوي في التعامل مع الأوبئة والأمراض 5/أطعمة المسلمين غذاء وشفاء 6/حكمة قرار تعليق الزيارة لبلاد الحرمين الشريفين
الخطبة الأولى:
الحمد لله القوي العلي، يعلم الجَلِيَّ والخفيَّ، ويُنزل الداء الدويَّ، ويجلو الوباء إذا شاء عن البلد الوبيِّ، ويبلو عبادَه، ويا فوزَ مَنْ صبَر حينَ امتُحِنَ وابتُلِي، وأشهد ألا إله إلا الله الرحيم الحليم الرؤوف الكريم الولي، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير مبعوث وأفضل رسول ونبي، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أُولي المنهج السويّ، والتمسُّكِ المتينِ القويِّ.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله يُسبِغْ عليكم النعمَ، ويدفع عنكم النقمَ، ويُعلِي قدرَكم بينَ الأمم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
لقد طُعِنَ العالَمُ في رئتيه بداء “كُورُونَا”، ذلك الوباء الذي سلَب الأجفانَ كَراها، والأبدانَ قُوَاها، وغزا البلدانَ وغشَّاها، وفتَق الأجواءَ، وشقَّ الأرجاءَ، وأفسَد الهواءَ، فسبحان مَنْ يُنزِل الداء، ويأذن بالعدوى إذا شاء؛ امتحانًا واختبارًا، وتذكيرًا وتخويفًا، فافزعوا إلى ذِكْر الله ودعائه واستغفاره، والتَجِئُوا إليه واطلبوا الحمايةَ والوقايةَ منه، وحافِظُوا على الأذكار والأدعية المأثورة، فليس أنفعَ للوباء من الدعاء وصدق الالتجاء.
أيها المسلمون: والأوبئة تكون ثم تهون، وكم من أوبئة حلَّت ثم اضمحلت، وجَلَّت ثم جَلَتْ، وتوالت ثم تولت، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ويعجبني الفأل“، قالوا: وما الفأل؟، قال: “كلمة طيبة“(متفق عليه)، والعرب تسمِّي اللديغ سليمًا، والكسير جبيرًا؛ تفاؤلًا، وتسمِّي الجماعة الناهضة المنشِئة للسفر قافلة؛ تفاؤلا بقفولها، أي: رجوعها، فانشروا الفأل والطمأنينة، ولا يكن أحدكم مذياعًا أو فزَّاعة كُلَّما سَمِعَ خبرًا أطاره وأشاعه.
أيها المسلمون: اتقوا مضارَّ العلل ومواطن الوباء، فقد قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: “ومن يتق الشر يُوقَه“(أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-)، وله شواهد، وخمِّروا الوجه عند العطاس والسعال، وغطُّوه بالمناديل ونحوها؛ لئلا يؤذي أحدُكم جليسَه بالنُّفاثة التي تخرُج من فمه أو أنفه، أو بالميكروبات التي تنتشر في محيط العطسة أو السُّعْلة؛ لأن العدوى قد تنتقل -بأمر الله -تعالى- بواسطة استنشاق الرذاذ الملوَّث في الهواء، والفضلة المنتشرة للشخص المصاب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا عَطَسَ أحدُكم فليضَعْ كفَّيْه على وجهه، ولْيَخْفَضْ صوتَه“(أخرجه الحاكم)، واغسلوا الأيدي قبل الطعام وبعده، وبعد قضاء الحاجة، وبعد ملامَسة مَنْ تُخشى العدوى بمُلامَسته، وكلما أصاب اليدين أذًى من عَرَق أو وسخ أو قذر، فعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يأكل أو يشرب -أي: وهو جُنُب- غسل يديه ثم يأكل أو يشرب”(أخرجه النسائي)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ بات وفي يده غَمْرٌ ولم يغسله فأصابه شيءٌ فلا يلومنَّ إلا نفسَه“(أخرجه أحمد)، والغَمْر: هو ريح الطعام وأثر زهومته، فربما قصدته الهوام وذوات السموم وهو نائم فآذته بسبب ذلك.
أيها المسلمون: والاحتجاب عمَّن داؤه يُعدي -عادةً- لا حرجَ فيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “وَفِرَّ من المجذوم كما تَفِرُّ من الأسد“(أخرجه البخاري)، وعن الشريد بن سويد الثقفي -رضي الله عنه- قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إنا قد بايعناك فارجع“(أخرجه مسلم)، فلم يبايعه -صلى الله عليه وسلم- مصافَحةً ولا مُواجَهةً؛ لأن مخالَطة المجذوم من أسباب العدوى عادةً، وذهب المحقِّقون من أهل العلم أن الجَذْمَى إذا كثروا فإنهم يمنَعُون من المساجد والمجامع؛ حتى لا تسري العدوى وتنتشر، قال بعض أهل العلم في الجذمى: “فإذا كَثُرُوا رأيتُ أن يتخذوا لأنفسهم موضعًا، كما صُنِعَ بمرضى مكة“، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ“، والمُمْرِضُ هو الذي له إبلٌ مرضى، والمصح مَنْ له إبل صحاح؛ فنهى صاحب الإبل الْمَرِيضة أن يوردها على الإبل الصحيحة؛ اتقاء للعدوى واحترازا من الأدواء والوباء، وأمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- من وقَع الطاعون ببلدٍ وليس فيه ألا يقدَم عليه، وإن كان فيه ألا يخرج فرارًا منه، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: “قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الطاعون رجز أو عذاب أُرسِلَ على بني إسرائيل، أو على مَنْ كان قبلَكم، فإذا سمعتُم به بأرض فلا تقدَمُوا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه“(متفق عليه).
أيها المسلمون: ويُندَب ألَّا يُشَرب من فضلة مريض مرضُه يعدي عادةً؛ لأن الوقاية مأمور بها شرعًا، و”نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب من فم القربة أو السقاء”(أخرجه البخاري)، و(عند الحاكم): “لأن ذلك ينتنه“، و(عند الترمذي): “نهى أن يُتنفَّس في الإناء أو يُنفَخ فيه”، قال ابن حجر: “قد يخرج مع النَّفَس بُصاقٌ أو مخاطٌ أو بخار رديء، فيُكسِبه رائحةً كريهةً، فيتطهر بها هو أو غيره من شربه” انتهى، وأما حديث: “ريق المؤمن للمؤمن شفاء“، أو: “سُؤْرُ المؤمنِ شفاءٌ“، فهو حديث مكذوب موضوع لا أصل له.
أيها المسلمون: وخمِّروا الآنية وأوكوا الأسقية؛ اتقاءً للوباء والداء، واحترازًا من الهوامِّ والسوامِّ والقوامِّ، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “غَطُّوا الإناءَ وأَوْكُوا السقاءَ؛ فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ، لا يمرُّ بإناء ليس عليه غطاءٌ أو سقاءٌ، ليس عليه وكاء، إلا نزَل فيه من ذلك الوباء“(أخرجه مسلم).
حمانا اللهُ وإيَّاكم من طوارق الأسواء، ونوازل البلاء، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفِروه، إنه كان للأوابين غفورًا.
طرق الوقاية من وباء كورونا
الشيخ : صلاح بن محمد البدير
إمام وخطيب المسجد النبوي
عناصر الخطبة
1/لله حِكَم في الابتلاء بالأدواء 2/ضرورة التفاؤل وعدم القنوط 3/نصائح وإرشادات لتجنب العدوى 4/من الهدي النبوي في التعامل مع الأوبئة والأمراض 5/أطعمة المسلمين غذاء وشفاء 6/حكمة قرار تعليق الزيارة لبلاد الحرمين الشريفين
الخطبة الأولى:
الحمد لله القوي العلي، يعلم الجَلِيَّ والخفيَّ، ويُنزل الداء الدويَّ، ويجلو الوباء إذا شاء عن البلد الوبيِّ، ويبلو عبادَه، ويا فوزَ مَنْ صبَر حينَ امتُحِنَ وابتُلِي، وأشهد ألا إله إلا الله الرحيم الحليم الرؤوف الكريم الولي، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير مبعوث وأفضل رسول ونبي، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أُولي المنهج السويّ، والتمسُّكِ المتينِ القويِّ.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله يُسبِغْ عليكم النعمَ، ويدفع عنكم النقمَ، ويُعلِي قدرَكم بينَ الأمم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
لقد طُعِنَ العالَمُ في رئتيه بداء “كُورُونَا”، ذلك الوباء الذي سلَب الأجفانَ كَراها، والأبدانَ قُوَاها، وغزا البلدانَ وغشَّاها، وفتَق الأجواءَ، وشقَّ الأرجاءَ، وأفسَد الهواءَ، فسبحان مَنْ يُنزِل الداء، ويأذن بالعدوى إذا شاء؛ امتحانًا واختبارًا، وتذكيرًا وتخويفًا، فافزعوا إلى ذِكْر الله ودعائه واستغفاره، والتَجِئُوا إليه واطلبوا الحمايةَ والوقايةَ منه، وحافِظُوا على الأذكار والأدعية المأثورة، فليس أنفعَ للوباء من الدعاء وصدق الالتجاء.
أيها المسلمون: والأوبئة تكون ثم تهون، وكم من أوبئة حلَّت ثم اضمحلت، وجَلَّت ثم جَلَتْ، وتوالت ثم تولت، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ويعجبني الفأل“، قالوا: وما الفأل؟، قال: “كلمة طيبة“(متفق عليه)، والعرب تسمِّي اللديغ سليمًا، والكسير جبيرًا؛ تفاؤلًا، وتسمِّي الجماعة الناهضة المنشِئة للسفر قافلة؛ تفاؤلا بقفولها، أي: رجوعها، فانشروا الفأل والطمأنينة، ولا يكن أحدكم مذياعًا أو فزَّاعة كُلَّما سَمِعَ خبرًا أطاره وأشاعه.
أيها المسلمون: اتقوا مضارَّ العلل ومواطن الوباء، فقد قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: “ومن يتق الشر يُوقَه“(أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-)، وله شواهد، وخمِّروا الوجه عند العطاس والسعال، وغطُّوه بالمناديل ونحوها؛ لئلا يؤذي أحدُكم جليسَه بالنُّفاثة التي تخرُج من فمه أو أنفه، أو بالميكروبات التي تنتشر في محيط العطسة أو السُّعْلة؛ لأن العدوى قد تنتقل -بأمر الله -تعالى- بواسطة استنشاق الرذاذ الملوَّث في الهواء، والفضلة المنتشرة للشخص المصاب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا عَطَسَ أحدُكم فليضَعْ كفَّيْه على وجهه، ولْيَخْفَضْ صوتَه“(أخرجه الحاكم)، واغسلوا الأيدي قبل الطعام وبعده، وبعد قضاء الحاجة، وبعد ملامَسة مَنْ تُخشى العدوى بمُلامَسته، وكلما أصاب اليدين أذًى من عَرَق أو وسخ أو قذر، فعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يأكل أو يشرب -أي: وهو جُنُب- غسل يديه ثم يأكل أو يشرب”(أخرجه النسائي)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ بات وفي يده غَمْرٌ ولم يغسله فأصابه شيءٌ فلا يلومنَّ إلا نفسَه“(أخرجه أحمد)، والغَمْر: هو ريح الطعام وأثر زهومته، فربما قصدته الهوام وذوات السموم وهو نائم فآذته بسبب ذلك.
أيها المسلمون: والاحتجاب عمَّن داؤه يُعدي -عادةً- لا حرجَ فيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “وَفِرَّ من المجذوم كما تَفِرُّ من الأسد“(أخرجه البخاري)، وعن الشريد بن سويد الثقفي -رضي الله عنه- قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إنا قد بايعناك فارجع“(أخرجه مسلم)، فلم يبايعه -صلى الله عليه وسلم- مصافَحةً ولا مُواجَهةً؛ لأن مخالَطة المجذوم من أسباب العدوى عادةً، وذهب المحقِّقون من أهل العلم أن الجَذْمَى إذا كثروا فإنهم يمنَعُون من المساجد والمجامع؛ حتى لا تسري العدوى وتنتشر، قال بعض أهل العلم في الجذمى: “فإذا كَثُرُوا رأيتُ أن يتخذوا لأنفسهم موضعًا، كما صُنِعَ بمرضى مكة“، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ“، والمُمْرِضُ هو الذي له إبلٌ مرضى، والمصح مَنْ له إبل صحاح؛ فنهى صاحب الإبل الْمَرِيضة أن يوردها على الإبل الصحيحة؛ اتقاء للعدوى واحترازا من الأدواء والوباء، وأمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- من وقَع الطاعون ببلدٍ وليس فيه ألا يقدَم عليه، وإن كان فيه ألا يخرج فرارًا منه، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: “قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الطاعون رجز أو عذاب أُرسِلَ على بني إسرائيل، أو على مَنْ كان قبلَكم، فإذا سمعتُم به بأرض فلا تقدَمُوا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه“(متفق عليه).
أيها المسلمون: ويُندَب ألَّا يُشَرب من فضلة مريض مرضُه يعدي عادةً؛ لأن الوقاية مأمور بها شرعًا، و”نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب من فم القربة أو السقاء”(أخرجه البخاري)، و(عند الحاكم): “لأن ذلك ينتنه“، و(عند الترمذي): “نهى أن يُتنفَّس في الإناء أو يُنفَخ فيه”، قال ابن حجر: “قد يخرج مع النَّفَس بُصاقٌ أو مخاطٌ أو بخار رديء، فيُكسِبه رائحةً كريهةً، فيتطهر بها هو أو غيره من شربه” انتهى، وأما حديث: “ريق المؤمن للمؤمن شفاء“، أو: “سُؤْرُ المؤمنِ شفاءٌ“، فهو حديث مكذوب موضوع لا أصل له.
أيها المسلمون: وخمِّروا الآنية وأوكوا الأسقية؛ اتقاءً للوباء والداء، واحترازًا من الهوامِّ والسوامِّ والقوامِّ، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “غَطُّوا الإناءَ وأَوْكُوا السقاءَ؛ فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ، لا يمرُّ بإناء ليس عليه غطاءٌ أو سقاءٌ، ليس عليه وكاء، إلا نزَل فيه من ذلك الوباء“(أخرجه مسلم).
حمانا اللهُ وإيَّاكم من طوارق الأسواء، ونوازل البلاء، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفِروه، إنه كان للأوابين غفورًا.
تعليق