أجيبوا داعي الله
المقدمة:
الحمد لله الكريم الوهَّاب، الرحيم التَّواب، غافر الذنب, وقابل التوب, شديد العقاب، يحبُّ التوَّابين والمتطهِّرين، ويغفرُ للمُنيبين والمستغفرين، ويقيلُ عثرات العاثرين، ويقبلُ اعتذارَ المعتذرين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصَّالحين، وأشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُهُ، خاتمُ الأنبياء، وسيِّدُ الأصفياءِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ الأتقياء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}آل عمران:102{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}الأحقاف:31.
وبعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ وخيرُ الهدي هديُ محمَّدٍ-صلى الله عليه وسلم-,وشر الأمورِ محدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعةٌ, وكل بدعةٍ ضلالةٌ, وكل ضلالةٍ في النَّار.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ الله-سبحانه وتعالى-أرسلَ الرُّسلَ, وأنزلَ عليهم الكتبَ، وأيَّدهم بالمعجزاتِ، كل ذلك من أجلِ أنْ يكونَ النَّاسُ على بينة من دينهم،{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}النساء: من الآية 165, فيستجيبوا لله ولرسوله، فيفوزون بالجنَّةِ، ولكن حكمة الله-سبحانه وتعالى-قضت أن يكون فريقان؛فريق في الجنة,وفريق في السَّعير،فريق مطيع،وفريق عاص،فريق اهتدى،وفريق ضلَّ،ومع هذا فالله-سبحانه وتعالى-قد بيَّن طريقَ الخيرِ وطريقَ الشَّرِّ على أيدي رسوله وأنبيائه، وجعل الإنسان مخيراً بين أن يسلكَ طريقَ الخيرِ، أو أنْ يسلكَ طريقَ الشَّرِّ.
أيها المسلمون: إنَّ كثيراً من الناس اليوم أعرض عن دين الله، وابتعد عنه، واتبع شهواته، وإن الكثير منهم لم يدخلوا في دين الله،ولم يستجيبوا لدينه, ونبيه, وشرعه، بل كفروا به، وكذبوه، ولم يؤمنوا به وهؤلاء هم أهل الكفر والنفاق.
أما عصاة المسلمين الذين أسرفوا على أنفسهم فما أحوجهم إلى أن يتنبهوا من غفلتهم فيجيبوا داعي الله، فيستجيبوا لله ولرسوله، أليس الله ورسوله قد حرَّما الزنا، وهناك من أبناء الإسلام مَن يزني، أليس الله ورسوله قد حرَّما الربا، وهناك من أبناء المسلمين من يتعامل بالربا، أليس الله ورسوله حرَّما الغش, والخداع, وهناك من أبناء المسلمين من يعمل كل هذا، أليس الله-تعالى- حرَّم الحكم بغير شريعته ومنهجه, فوجد من أبناء المسلمين من يتحاكم إلى غير شرع الله، أليس هؤلاء ابتعدوا عن شرع الله، أيكون هؤلاء مطيعين لله، مستجيبين لأمره, وهم على هذا الحال؟.
عباد الله: إن الله-سبحانه وتعالى-يقول في كتابه الكريم حاكياً عن الجن-:{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}الأحقاف:30-31.قال ابن كثير-رحمه الله-: "فيه دلالةٌ على أنه-تعالى-أرسلَ محمَّداً-صلى الله عليه وسلم-إلى الثَّقلينِ الجنِّ والإنس، حيث دعاهم إلى اللهِ-تعالى-1. فقد اعتبروا نزولَ هذا الكتابِ إلى الأرضِ دعوةَ اللهِ لكل من بلغته من إنس وجن، واعتبروا محمَّداً-صلى الله عليه وسلم-داعياً لهم إلى الله بمجرد تلاوته لهذا القرآنِ واستماع الثَّقلين له: فنادوا قومهم: "يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به".
ثم إن الله-سبحانه وتعالى-يُنادي المؤمنين بأنْ يستجيبوا لأمره وأمر رسوله،وينتهوا عن نهيه ونهي رسوله,فيقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}الأنفال:24. يأمر الله-تعالى- عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان منهم،وهو: الاستجابة لله ورسوله، أي: الانقياد لما أمر به، والمبادرة إلى ذلك، والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه، والنهي عنه"2.
ولهذا فقد وضَّحَ-سبحانه وتعالى-الصِّراطَ المستقيم، وبيَّن رسولُهُ الطَّريقَ المؤدية إليه,فقال-صلى الله عليه وسلم-كما جاء من حديث النَّوَّاس بن سمعان-رضي الله عنه-,عن رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-قال: "إنَّ الله ضرب مثلاً صراطاً مُستقيماً, على كتفي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة, وعلى الصراط داع يدعو يقول: "يا أيها الناس اسلكوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا,وداعٍ يدعُو على الصراط فإذا أراد أحدكم فتح شيء من تلك الأبواب,قال: "ويلكَ لا تفتحْهُ فإنك إنْ تفتحه تلجه" فالصراط الإسلام, والستور حدود الله,والأبواب المفتحة محارم الله,والداعي الذي على رأس الصراط كتاب الله,والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم"3. ففي هذا المثل الذي ضربه النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم-أنَّ الإسلام هو الصراط المستقيم الذي أمر اللهُ بالاستقامةِ عليهِ-والاستجابة له، ونهى عن مجاوزة حدوده، ومن ارتكب شيئاً من المحرمات فقد تعدى حدوده"4.
فالاستجابة لله ولرسوله: هي امتثال أمره من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وغيرها من الأعمال التي أمر الله بها، والاستجابة هي: اجتناب نهيه أيضاً، فلا تعصيه فتشرب الخمر، وتتعامل بالربا، وتأكل أموال الناس بالباطل، وتتحاكم إلى غير شريعته، وغيرها من الأعمال التي نهى الله ورسوله عنها.
أيها المسلمون: يا من قصر في طاعة الله!، ويا من سار في معصية الله!، ويا من عصى أوامر الله ورسوله!، إن الله-سبحانه وتعالى-يدعوك للاستجابة لأمره وأمر رسوله، فيناديك بأحسن الأسماء وأرفعها منزلة، إنها منزلة الإيمان، فيقول-سبحانه-:"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول"، وهذا الخطاب هو لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلا أنه عام لكل مؤمن ومؤمنة، ولكل مسلم ومسلمة.
ثم اعلم عبد الله: أن الله-سبحانه وتعالى-لما أمرنا بالاستجابة لأمره وأمر رسوله، إنما ذلك رحمة بنا، لكي لا نهلك بالذنوب والمعاصي التي نقترفها ليلاً ونهاراً، فالثمار التي يجنيها العبد من وراء استجابته لأمر الله وأمر رسوله عظيمة وجليلة، لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها, بل إنها هي الحياة الحقيقية، إذ كيف يتصور للإنسان أن يعيش حياة هو فيها غير مستجيب لله ولرسوله، لك أن تتخيل هذه الحياة، إنها حياة بهيمية، أما حياة المستجيب فإن لها ثماراً عديدة ومُتنوِّعة,فمن هذه الثمار والفوائد ما ذكره ابنُ القيِّم-رحمه الله-في تفسيرِهِ القيِّم، عند قوله-تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}الأنفال:24. قال: تضمنت هذه الآية أموراً:
أحدها: أن الحياة النافعة إنما تحصل باستجابة لله ولرسوله,فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له... فالحياة الحقيقة الطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله ظاهراً وباطناً,فهؤلاء هم الأحياء،وإنْ ماتُوا. وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول-صلى الله عليه وسلم-,فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة,فمن فاته جزءٌ منه فاته جزءٌ من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول.
المقدمة:
الحمد لله الكريم الوهَّاب، الرحيم التَّواب، غافر الذنب, وقابل التوب, شديد العقاب، يحبُّ التوَّابين والمتطهِّرين، ويغفرُ للمُنيبين والمستغفرين، ويقيلُ عثرات العاثرين، ويقبلُ اعتذارَ المعتذرين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصَّالحين، وأشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُهُ، خاتمُ الأنبياء، وسيِّدُ الأصفياءِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ الأتقياء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}آل عمران:102{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}الأحقاف:31.
وبعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ وخيرُ الهدي هديُ محمَّدٍ-صلى الله عليه وسلم-,وشر الأمورِ محدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعةٌ, وكل بدعةٍ ضلالةٌ, وكل ضلالةٍ في النَّار.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ الله-سبحانه وتعالى-أرسلَ الرُّسلَ, وأنزلَ عليهم الكتبَ، وأيَّدهم بالمعجزاتِ، كل ذلك من أجلِ أنْ يكونَ النَّاسُ على بينة من دينهم،{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}النساء: من الآية 165, فيستجيبوا لله ولرسوله، فيفوزون بالجنَّةِ، ولكن حكمة الله-سبحانه وتعالى-قضت أن يكون فريقان؛فريق في الجنة,وفريق في السَّعير،فريق مطيع،وفريق عاص،فريق اهتدى،وفريق ضلَّ،ومع هذا فالله-سبحانه وتعالى-قد بيَّن طريقَ الخيرِ وطريقَ الشَّرِّ على أيدي رسوله وأنبيائه، وجعل الإنسان مخيراً بين أن يسلكَ طريقَ الخيرِ، أو أنْ يسلكَ طريقَ الشَّرِّ.
أيها المسلمون: إنَّ كثيراً من الناس اليوم أعرض عن دين الله، وابتعد عنه، واتبع شهواته، وإن الكثير منهم لم يدخلوا في دين الله،ولم يستجيبوا لدينه, ونبيه, وشرعه، بل كفروا به، وكذبوه، ولم يؤمنوا به وهؤلاء هم أهل الكفر والنفاق.
أما عصاة المسلمين الذين أسرفوا على أنفسهم فما أحوجهم إلى أن يتنبهوا من غفلتهم فيجيبوا داعي الله، فيستجيبوا لله ولرسوله، أليس الله ورسوله قد حرَّما الزنا، وهناك من أبناء الإسلام مَن يزني، أليس الله ورسوله قد حرَّما الربا، وهناك من أبناء المسلمين من يتعامل بالربا، أليس الله ورسوله حرَّما الغش, والخداع, وهناك من أبناء المسلمين من يعمل كل هذا، أليس الله-تعالى- حرَّم الحكم بغير شريعته ومنهجه, فوجد من أبناء المسلمين من يتحاكم إلى غير شرع الله، أليس هؤلاء ابتعدوا عن شرع الله، أيكون هؤلاء مطيعين لله، مستجيبين لأمره, وهم على هذا الحال؟.
عباد الله: إن الله-سبحانه وتعالى-يقول في كتابه الكريم حاكياً عن الجن-:{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}الأحقاف:30-31.قال ابن كثير-رحمه الله-: "فيه دلالةٌ على أنه-تعالى-أرسلَ محمَّداً-صلى الله عليه وسلم-إلى الثَّقلينِ الجنِّ والإنس، حيث دعاهم إلى اللهِ-تعالى-1. فقد اعتبروا نزولَ هذا الكتابِ إلى الأرضِ دعوةَ اللهِ لكل من بلغته من إنس وجن، واعتبروا محمَّداً-صلى الله عليه وسلم-داعياً لهم إلى الله بمجرد تلاوته لهذا القرآنِ واستماع الثَّقلين له: فنادوا قومهم: "يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به".
ثم إن الله-سبحانه وتعالى-يُنادي المؤمنين بأنْ يستجيبوا لأمره وأمر رسوله،وينتهوا عن نهيه ونهي رسوله,فيقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}الأنفال:24. يأمر الله-تعالى- عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان منهم،وهو: الاستجابة لله ورسوله، أي: الانقياد لما أمر به، والمبادرة إلى ذلك، والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه، والنهي عنه"2.
ولهذا فقد وضَّحَ-سبحانه وتعالى-الصِّراطَ المستقيم، وبيَّن رسولُهُ الطَّريقَ المؤدية إليه,فقال-صلى الله عليه وسلم-كما جاء من حديث النَّوَّاس بن سمعان-رضي الله عنه-,عن رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-قال: "إنَّ الله ضرب مثلاً صراطاً مُستقيماً, على كتفي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة, وعلى الصراط داع يدعو يقول: "يا أيها الناس اسلكوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا,وداعٍ يدعُو على الصراط فإذا أراد أحدكم فتح شيء من تلك الأبواب,قال: "ويلكَ لا تفتحْهُ فإنك إنْ تفتحه تلجه" فالصراط الإسلام, والستور حدود الله,والأبواب المفتحة محارم الله,والداعي الذي على رأس الصراط كتاب الله,والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم"3. ففي هذا المثل الذي ضربه النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم-أنَّ الإسلام هو الصراط المستقيم الذي أمر اللهُ بالاستقامةِ عليهِ-والاستجابة له، ونهى عن مجاوزة حدوده، ومن ارتكب شيئاً من المحرمات فقد تعدى حدوده"4.
فالاستجابة لله ولرسوله: هي امتثال أمره من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وغيرها من الأعمال التي أمر الله بها، والاستجابة هي: اجتناب نهيه أيضاً، فلا تعصيه فتشرب الخمر، وتتعامل بالربا، وتأكل أموال الناس بالباطل، وتتحاكم إلى غير شريعته، وغيرها من الأعمال التي نهى الله ورسوله عنها.
أيها المسلمون: يا من قصر في طاعة الله!، ويا من سار في معصية الله!، ويا من عصى أوامر الله ورسوله!، إن الله-سبحانه وتعالى-يدعوك للاستجابة لأمره وأمر رسوله، فيناديك بأحسن الأسماء وأرفعها منزلة، إنها منزلة الإيمان، فيقول-سبحانه-:"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول"، وهذا الخطاب هو لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلا أنه عام لكل مؤمن ومؤمنة، ولكل مسلم ومسلمة.
ثم اعلم عبد الله: أن الله-سبحانه وتعالى-لما أمرنا بالاستجابة لأمره وأمر رسوله، إنما ذلك رحمة بنا، لكي لا نهلك بالذنوب والمعاصي التي نقترفها ليلاً ونهاراً، فالثمار التي يجنيها العبد من وراء استجابته لأمر الله وأمر رسوله عظيمة وجليلة، لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها, بل إنها هي الحياة الحقيقية، إذ كيف يتصور للإنسان أن يعيش حياة هو فيها غير مستجيب لله ولرسوله، لك أن تتخيل هذه الحياة، إنها حياة بهيمية، أما حياة المستجيب فإن لها ثماراً عديدة ومُتنوِّعة,فمن هذه الثمار والفوائد ما ذكره ابنُ القيِّم-رحمه الله-في تفسيرِهِ القيِّم، عند قوله-تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}الأنفال:24. قال: تضمنت هذه الآية أموراً:
أحدها: أن الحياة النافعة إنما تحصل باستجابة لله ولرسوله,فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له... فالحياة الحقيقة الطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله ظاهراً وباطناً,فهؤلاء هم الأحياء،وإنْ ماتُوا. وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول-صلى الله عليه وسلم-,فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة,فمن فاته جزءٌ منه فاته جزءٌ من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول.
تعليق