تويت
أشجار البخور العربي
كانت قافلة الوزير والباحث البريطاني برترام توماس تنحدر من جبال القرا بمحاذاة الخليج العربي على الساحل العماني عند ما استدار من فوق سرج ناقته لإلقاء نظرة أخيرة على المحيط الهندي عام 1930م.هنا تنتهي المروج الخضراء لتحل محلها مساحات شاسعة من الشجيرات الصمغية.. تراكض الصبية من حولهم طمعاً بالبقشيش وهم يعرضون عليه نباتات اقتلعوها من الأرض أملاً أن تنال إعجابه بعد ما عرفوا اهتمامه بالأشجار والنباتات ومن هذه الأشجار التي عرضوها كما يقول الحلقوم وهي ثمار شبيهة بالبطاطس تستخدم لتنظيف ودبغ الجلود وكذلك «المر» الذي يستخدم نسغه المر كعلاج لأوجاع البطن وبلسما للعيون لاحتوائه على عنصر المضاد الحيوي الطبيعي بينما يستخدم السائل الأخضر المائل للصفرة الذي يستخرج من قشر الشجرة كمستحضر تجميل للسيدات. أما التلال الكثيفة الجرداء حولهم بمسالكها الموحشة الوعرة فقد حملت أفراد المجموعة على التجمع والسير في رتل أحادي وبعد اجتياز الفالق الجبلي اتجهت القافلة نزولاً عبر المنحدر الواقع على الجانب الآخر من جبال القرا بمحاذاة المجاري النهرية كان طريقهم يقع أسفل ممر ضيق موحش مغطى على الجانبين بتجاويف عميقة أحدها يستخدم كمأوى لقطعان الماشيةيا رحمن يا رحيم.. هكذا تمتم الشيخ صالح أحد رفقاء الرحلة وهو يسير خلف القافلة أثناء عبورها لبعض القبور.نحن ننزع قبعاتنا إجلالاً للميت عند ما نمر على مشهد مثل هذا.. وهذا القول لتوماسوكيف تدفنون موتاكم.. هل صحيح أن الكفار أمثالكم يحرقون جثامين موتاهم بالنار؟. مقدرين لهم أن يبعثوا من جديد لعمل ينطوي بالفعل على تدنيس لحرمة الموتى هكذا عقب صالح مضيفا: اعتقد أنه من الأولى التخلي عن هذا النوع من الطقوس.أجابه توماس: نحن نأخذ موتانا الى بيت الله ونصلي عليهم لله تعالى ثم نلفهم كما يفعل بالمسلم بكفن أبيض وبعدها نواريهم الثرى وندعو لهم بالرحمة.والله مسلمين بحق وحقيقة.. هكذا رد أحد الراشدين والقافلة تشرف على الوصول لمشهد بانورامي لجبال الصخور الرملية المتميزة بأشكالها الهرمية المخروطية ومن بين تلك الجبال التي يحمل كل منها اسما خاصاً بها جبل قرن الفهد الأكثر وضوحاً وتميزاً وقرن الشيبة ناحية الشمال الغربي.تزدهر في هذه المجاري النهرية الموحشة أشجار المغر البري أي شجر «البخور» أو شجر اللبان وهي تبدو في مظهرها شجيرة فتية كما رآها دون أي جذع مركزي, ولكن بالقرب من الأرض تنبثق منها مجموعة من الأغصان تنمو حتى ارتفاع الناقة وأكثر. بلحاء رمادي وأوراق دقيقة متغصنة.وثب أحد مرافقي توماس عن جمله ليأتي له بعينة من هذه الشجرة على نصل جنبيته وكانت العينة في مرحلة ما قبل النضوج. ولحظة تفحصها وجدها ذات قوام شحمي شفاف أخضر وذات اريج نفاذ.تبدأ الشجرة بطرح الثمار في السنة الثالثة أو الرابعة. يأتي جامعو الثمار من رجال ونساء لإحداث حزوز دقيقة بسكين خاصة في أماكن مختلفة من الأغصان القصيرة الممتلئة. ينبثق الصمغ العطري من هذه النقاط المحززة مسبقاً ثم يتصلب على شكل قطرات أشبه بأصابع كبيرة من اللوزنج ذي القوام الرانتجي يعرف بالبخور «اللبان»بعد عشرة أيام تغدو هذه القطرات كبيرة بما فيه الكفاية لجمعها, وتستمر الشجرة في طرح النسغ من هذه الحزوز القديمة التي يجري تعميقها وفق ما تدعو إليه الضرورة على فترات تفصل بين الواحدة والأخرى عشرة أيام وعلى مدى خمسة أشهر قادمة. بعدها تجف الشجرة وتترك لتستعيد نشاطها وحيويتها من جديد في خلال فترة تتراوح من ستة أشهر حتى سنتين تبعاً لحالتها.يصادف موسم جني اللبان خلال أشهر الصيف بشكل أساسي ثم يصار إلى تخزينة في كهوف الجبال حتى حلول فصل الشتاء، حيث يرسل إلى المرافئ للتصدير ولا تنزل أية مراكب في هذه البلاد إلى البحر خلال فصل الرياح الجنوبية الغربية الموسمية العاصفة صيفاً وبفسح هذا التأخير في المجال أمام المنتج ليجف جيداً، رغم أنه يكون جاهزاً للتصدير بعد عشرة أيام أو عشرين يوما فقط من جمعه.(يتبع) ..
مقول