• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أيها السائر قف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أيها السائر قف





    أيها السائر قف




    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    أما بعد:
    يقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6]؛ أي: إنك ساعٍ إلى الله، عاملٌ بأوامره ونواهيه، ومُتقرِّبٌ إليه؛ إما بالخير، وإما بالشرِّ، ثم تُلاقي الله يومَ القيامة، فلا تعدم منه الجزاء بالفَضْل إنْ كنتَ سعيدًا، أو بالعَدْل إنْ كنتَ شقيًّا؛ كما قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره.

    فكل البشر - إلى أن يموتوا - في رحلة إلى الله، لملاقاة الله عز وجل ﴿فَمُلَاقِيهِ ﴾، أنا وأنت في هذه الحياة نقطع في كل يوم الطريق إلى الله، نوشك أن نصل.

    قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتَتْ عليك؟ قال: ستُّون سنةً، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، توشك أن تبْلُغ، فقال الرجل: يا أبا علي، إنَّا لله، وإنَّا إليه راجعون، قال الفضيل: تعلم ما تقول؟ قال الرجل: قلت: إنَّا لله، وإنَّا إليه راجعون، قال الفضيل: تعلم ما تفسيره؟ قال: فَسِّرْه لنا يا أبا علي، قال: قولك: إنَّا لله، تقول: أنا لله عَبْدٌ، وأنا إلى الله راجعٌ، ومَنْ عَلِمَ أنه عبدٌ، وأنه إليه راجعٌ، عَلِمَ أنه موقوفٌ، ومَن عَلِمَ أنه موقوف، فليَعْلَمْ أنه مسؤول، ومن علِم أنه مسؤول، فَلْيُعِدَّ للسؤال جوابًا، فقال الرجل: فما الحيلةُ؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تُحْسِن فيما بقِي يُغْفَر لك ما مضى وما بَقِيَ، فإنَّك إن أسأتَ فيما بقي، أُخِذْتَ بما مضى وما بَقِيَ.

    فلا بُدَّ لك أيها المسلم الكريم وأنت في رحلة سيرك إلى الله عز وجل، من محطات للتزوُّد؛ يقول الله عز وجل - في معرض وصيَّتِه للمؤمنين الذاهبين إلى الحج آمرًا إياهم بالتزوُّد -: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، فالواجب عليك أيها المسلم السائر في الطريق إلى الله التزوُّد.

    وقد دخل علينا شهرٌ عظيمٌ هو زادُ العام كله؛ هو شهر رمضان، هو شهر شحن رصيدك الإيماني الذي يكفيك العام كله، تتزوَّد فيه من القرآن، تتزوَّد فيه من الصلاة، بل تتزوَّد فيه من التقوى.

    وقد جرت ألطاف الله عز وجل وامتنانه بنا أن أباح لنا خير الزاد قبيل انتهاء شهر رمضان، وشرع لنا الاعتكاف، فعند نهاية شهر رمضان يأتي التزوُّد الأكبر والأكثر، فقد كان مِن هَدْيه صلى الله عليه وسلم كما تقول أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شَدَّ مِئْزَرَه، وأحيا ليلَهُ، وأيْقَظَ أهلَهُ"، فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد أيما اجتهاد في العشر الأواخر من رمضان، يطلب المزيد من زاد الآخرة، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الاعتكاف؛ فالاعتكاف هو غنيمة الشهر الكبرى، وهو ملازمة الباب والوقوف في المحراب، وهو لذَّة أولي الألباب.

    شرع الله عز وجل الاعتكاف، وجعله استراحةً للنفس من عناء الدنيا، والخلوة بالله عز وجل والتفرُّغ لعبادته عز وجل؛ يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((يا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبادَتِي أمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وإِلَّا تَفْعَل مَلأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ)).

    فالاعتكاف هو فرصة التفرُّغ لعبادة الله عز وجل، وهي الخلوة المشروعة لهذه الأمة، فيها يلزم المعتكف بيت رب الأرباب متذلِّلًا له، منقطعًا إليه، مقبلًا عليه، يستأنس به، ويستشعر معيَّته، يحسُّ بطمأنينة في قلبه؛ كما قال ابن القيم، فإن شعث القلب لا يلمُّه إلا الإقبالُ على الله تعالى.

    أخي المسلم، لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم بفطرته الذكية، ونفسه النقية، قبل بعثته - يتحنَّث الليالي ذوات العدد في الغار، ينقطع عن الخلق؛ ليخلو بالخالق، فالانقطاع عن الخَلْق والإقبال على الخالق هو مِن مَكنون الفطرة الذكية، وهو مبحث النفس الطاهرة.

    أخي المسلم، لقد كانت العبادة لله عز وجل هي محور حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يقول الله عز وجل على لسان نبيِّه في القرآن الكريم: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾[الأنعام: 162، 163].

    لقد كانت له صلى الله عليه وسلم عبادات يومية؛ مثل: الصلاة، كالصلوات الخمس، وعبادات أسبوعية؛ مثل: صيام الاثنين والخميس، وصلاة الجمعة، وعبادات سنوية؛ مثل: صيام رمضان، واعتكاف العشر الأواخر منه.

    والاعتكاف عبادة كغيرها من العبادات، فهي تعني الانقطاع إلى الله عز وجل بالكليَّة، وهجر ملذَّات الدنيا التي عادةً ما تعترض السموَّ الرُّوحي للإنسان والصلة المتكاملة بين العبد وربِّه، وهي فرصة للتزوُّد بالإيمان، هي فرصة للاصطلاح مع الله عز وجل.

    لذلك فللاعتكاف أهداف وغايات ومقاصد، من أجلها شرَعه الله عز وجل، وكان يحرص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واظَب على الاعتكاف طول حياته، فكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل عام عشرة أيام من رمضان، إلا العام الذي قُبِض فيه صلى الله عليه وسلم، فإنه اعتكف فيه عشرين يومًا.

    ومن أهداف ومقاصد الاعتكاف ما يلي:
    أولًا: تطبيق مفهوم العبادة بصورتها الكليَّة: حيث إن الاعتكاف يُؤصِّل في نفس المعتكف مفهوم العبودية لله عز وجل؛ حيث إن المعتكف قد وهب نفسَه كلَّها ووقته كلَّه متعبِّدًا لله عز وجل، يستشعر معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163] المعتكف قد أخذ بناصية نفسه، وأرغمها على الانقطاع لله عز وجل، وفي كل هذا تتجلَّى معاني العبودية لله عز وجل.

    ثانيًا: تزكية النفس؛ أي: تطهير النفس، ورَفْع مكانتها؛ يقول الله عز وجل: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى: 14]؛ فالاعتكاف ميدانٌ رئيس في تطهير النفس، والحرص على ما ينفعها، فعندما يخلو كلُّ معتكفٍ بنفسه تتجلَّى له عيوبُ نفسه، فيقوم بإصلاحها ويعمل على تهذيبها.

    في الاعتكاف تتجلَّى أخلاق الإيثار، وتتجلَّى أخلاق البذل والعطاء بين المعتكفين، وكذلك يتجلَّى خُلُق الصَّبْر، وحبس النفس عن ملذَّاتها؛ كل هذا يعود بالتزكية على النفس.

    ثالثًا: كذلك من أهداف ومقاصد الاعتكاف، قوةُ الإرادة والصبر، ففي الاعتكاف يتعرَّض المسلم لمواقف متعددة تكون بمثابة تمرين عملي على الصبر وقوة الإرادة؛ حيث إن المعتكف يتعرَّض لصنوف من الصبر؛ منها:
    1 - الصبر على طاعة الله عز وجل: فهو أمر - أي: طول المكث في المسجد، والانقطاع للعبادة - لم يكن المعتكف متعوِّدًا عليه في حياته قبل الاعتكاف، فهو صابرٌ محتسبٌ على طاعة الله عز وجل، ملزمٌ نفسَه الطاعةَ، متفرِّغٌ لها.

    2- الصبر على ملذَّات نفسه، فالمعتكف ينقطع عن شهوته الجنسيَّة، ويُقلِّل من شهوات البطن، ومن أنواع الطعام، وهذا بمثابة قوة وإرادة وصبر على ملذَّات نفسه.

    3- الصبر على ظَلَف العيش في المسجد؛ حيث لا يجد الفِراشَ الوثير الذي تعوَّدَه في بيته، فينام في أي مكان بالمسجد مفترشًا سجادَ المسجد، وهذا صَبْرٌ وتأديب لنفسه، وقوةٌ لإرادته.

    4- كذلك الصبر على مزاحمة الناس، والاحتكاك بهم، وعدم توافر الهدوء الذي يجده في بيته؛ فكل هذا بمثابة صبر وقوة لإرادته.

    رابعًا: كذلك من أهداف ومقاصد الاعتكاف العظيمة: تَعوُّدُ المكث في المسجد:
    أخي المسلم، إن المسجد هو المكان المحوري في حياة المسلم؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم دائم الالتزام بالمكث في المسجد، وقد كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مركزَ القيادة في الدولة الإسلامية، وهو مصنع الرجال، ومنه يخرج عمالقة الإيمان، وكان بجانب ذلك أيضًا مكانًا لوظائف اجتماعية، كان المسجد يُقام به كُلُّ شيءٍ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وردت في أحاديث كثيرة فضائلُ تَحُثُّ على التزام المسجد والمكث فيه، اسمَعْ إلى هذا الحديث الجميل الذي يكاد يطير قلبُك فَرَحًا به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجِدَ للصلاة والذِّكْر، إلا تَبَشْبَشَ اللهُ له، كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بغائبهم إذا قدِم عليهم))، انظر إلى مدى عِظَمِ المكث في المسجد، وانظر إلى فرح الله عز وجل بعباده عُمَّارِ المساجد.

    ورد كذلك في فضل حُبِّ المساجد، وتعلُّق قلب العبد بالمسجد؛ حيث إن لله عز وجل رجالًا دائمي المكث في المساجد، لهم قلوب في صدورهم، إذا أرادوا أن يخرجوا من مساجدهم، تركوا قلوبَهم بها، ورحلوا إلى قضاء حوائجهم، سَرعان ما يعودون مُسرعِين إلى قلوبهم التي افتقَدُوها في مساجدهم، فكافأهم ربُّهم بأن أَظلَّهم بظِلِّ عَرْشِه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه؛ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هؤلاء السبعة الذين يُظِلُّهم عَرْشُ الرحمن يوم القيامة، يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: ((ورَجَلٌ قَلْبُه مُعلَّقٌ بالمساجد)).

    فأنت أيها المعتكف، قد نالك من معيَّة الله عز وجل، وتعلُّق قلبِك بالمساجد - الكثيرُ والكثيرُ، فأنت مُنْقَطِعٌ لله عز وجل، دائمُ المكث بالمسجد.

    خامسًا: أما الهدف الأسمى والغاية الأسنى من الاعتكاف، والمقصد الأعظم، فهو تحرِّي ليلة القدر؛ حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال أبو سعيد الخُدْري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأُوَلَ من رمضانَ، ثم اعتكف العَشْرَ الأوْسَطَ في قُبَّةٍ ترُكيَّةٍ على سُدَّتِها حَصِيرٌ، قال: فأخذ الحصيرَ بيده فنحَّاها في ناحية القُبَّة، ثم أطلع رأسَه فكلَّمَ الناس، فَدَنَوا منها، فقال: ((إني اعتكفْتُ العَشْرَ الأُوَلَ ألتَمِسُ هذه الليلة، ثم اعتكفْتُ العَشْرَ الأوْسَطَ، ثم أتيْتُ، فقيل: في العشر الأواخر، فمَنْ أحَبَّ منكم أن يعتكف فليَعتكف))، فاعتكَف الناس معه، قال: ((وإني أُوْرِيتُها وِتْرًا، وإنِّي أسجُدُ صبيحتها في طينٍ وماءٍ))، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء، فوكَف المسجد، فأبصرتُ الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينُه ورَوْثة أنفِه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر".

    تلك الليلة العظيمة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يَتَتبَّعُها ليفوز بها، ليلة أُنْزِل فيها القرآن، وهي خيرٌ من ألف شهر، قال في فضلها صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قامَ ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّم من ذَنْبِه)).

    فهنيئًا لك أيها المعتكف الدائم المكث في المسجد، هنيئًا لك إدراك ليلة القدر، والفوز بها وهنيئًا لك مغفرة ذنوبك كلها.

    كل هذا من بركات الاعتكاف، وهذه بعض الأهداف والغايات والمقاصد التي من أجلها شُرع الاعتكاف، وهناك مقاصد كثيرة، وغايات نبيلة، جعَلها الله عز وجل في الاعتكاف، اقتصرت على بعضها خشية الإطالة، فاحرِصْ أخي المسلم أن تكون أوَّلَ المعتكفين، وأن تفوزَ بليلة القَدْر، جعَلنا الله عز وجل وإياكم من أهل قيام ليلة القَدْر المغفور لهم بإذن الله تعالى.







  • #2
    مشكور والله يعطيك العافيه

    تعليق


    • #3

      تعليق


      • #4
        جزاك الله ألف خير على هذا الطرح القيم
        وجعله الله فى ميزان أعمالك
        دمت بحفظ الرحمن

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا.

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك ونفع بك

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة طالبة العلم مشاهدة المشاركة
              مشكور والله يعطيك العافيه

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة حنايا الفجر مشاهدة المشاركة

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة منال محمد مشاهدة المشاركة
                  جزاك الله ألف خير على هذا الطرح القيم
                  وجعله الله فى ميزان أعمالك
                  دمت بحفظ الرحمن
                  جزاك الله خيراا

                  تعليق


                  • #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة ريما علي مشاهدة المشاركة
                    جزاك الله خيرا.
                    جزاك الله خيراا

                    تعليق


                    • #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة اياد اياد مشاهدة المشاركة
                      بارك الله فيك ونفع بك
                      جزاك الله خيراا

                      تعليق


                      • #12
                        شـكــ وبارك الله فيك ـــراً لك ... لك مني أجمل تحية .

                        تعليق


                        • #13
                          روعه موضوع رائع ومميز
                          عاشت الايادي دوم التالق
                          تحياتي

                          تعليق


                          • #14
                            بارك الله فيك و جزاك الله كل خير

                            يعطيك العافية

                            تعليق

                            يعمل...
                            X