عُرف اللباس العربي منذ القدم بأنّه "فضفاض" متماشٍ مع الظروف المناخية والبيئية في جزيرة العرب، وساير قيام الحضارات العربية القديمة في الجزيرة وأطراف الشام والعراق، ولا أدل على ذلك إلاّ ما نقلته لنا الروايات والأخبار حتى القصائد والأشعار عن حال العرب في الممالك والحواضر والبوادي.
وعلى الرغم من تعدد الأقاليم والظروف المناخية والجغرافية في كافة أقاليم الجزيرة العربية، إلاّ أنّ معظم المنقولات والروايات التي تتحدث عن الزي العربي تكاد تُجمع على أنّ "العمامة" و"القميص" و"الإزار" و"البردة" لباس عرفه العرب القدماء على اختلاف مشاربهم وتعدد قبائلهم ومناطق سكنهم، وقد دار حول لبس العمامة حديث طويل بين علماء القرنين المنصرمين.
العرب في حضارتهم
وبعد توسع الحضارة الإسلامية في بلاد فارس والروم وصلت طلائع خيل المسلمين إلى بلاد ما وراء النهر "سيحون" و"جيحون"، ودخل "البربر" و"الأحباش" و"الترك" و"الصقالبة" إلى حضارة الإسلام، وتشارك العرب مع غيرهم من الأعراق والحضارات الجديدة، وعرفوا أنواعاً من الأقمشة والأزياء والملابس التي تتماشى مع الأقاليم التي نزلوها، حتى عُرف عن الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز في شبابه أنّه كان كثير الإسراف في لباسه وعطوره؛ لدرجة أنّ الناس يعرفون أنّه مر بهذا الطريق أو ذاك؛ لما يجدونه من أريج عطره الفواح، كما كان الخلفاء من بني أمية وبني العباس يُعرفون بملابسهم وأزيائهم الفاخرة، ولم يكن ذلك معروفاً في زمن الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - وهم الذين كانوا في لباسهم وزيهم كحال عامة الناس في المدينة، بل كانوا يلبسون الثوب الواحد مراراً ويرقعون نعلهم ومآزرهم، حتى لقد وصل عمر الفاروق - رضي الله عنه - بيت المقدس، وفي ثوبه ما يقارب من سبع عشرة رقعة، وكذا كان أبو الحسن علي - رضي الله عنهما - لا تفرق بينه وبين عامة الناس بهندامه وتواضعه.
"القلانس" الطوال
وعُرف العباسيون باللباس الأسود توائماً مع راياتهم السود، وقد ذكر المؤرخون أن "أبا العباس السفاح" - أول خلفاء بني العباس - ترك حين وفاته عدداً من "الجُبب" و"البرد"، وفصَّل بعضهم في ذلك - حتى في ملابسه الداخلية - في حين كان "أبو جعفر المنصور" - ثاني الخلفاء العباسيين - يلبس "القلانس" الطوال، وينام على فراش الحرير؛ بغية تخفيف وطأة حرارة الصيف، وكان رغم تقشفه وبخله يأمر كافة أفراد جيشه أن يلبسوا "القلانس" الطوال حتى لقد هجاه الشاعر "أبو دلامة" بقوله:
وكنا نرجي من إمامٍ زيادة
فجاد بطول زيادة القلانس
تراها على هام الرجال كأنّها
دنان يهود حللت بالبرانس
وقيل: إنّ "هارون الرشيد" - حفيد أبي جعفر - هو أول من لبس "القلنسوة" المعروفة ب "الطويلة الرصافية"؛ نسبة إلى الرصافة أحد أحياء "بغداد"، كما تبعه أبناؤه "الأمين" و"المأمون"، ويذكر المؤرخون قصة طريفة حدثت ل "الأصمعي" في مجلس الرشيد، وذلك حين كان يحدثه عن الأقوام السابقة وعاداتهم وأعرافهم، وعرج في حديثه عن بني أمية، وذكر أنّ "سليمان بن عبدالملك" كان نهماً أكولاً، وكان يخبئ الدجاج المشوي في كمه - جيبه -، فتعجب "هارون الرشيد" من هذه المعلومة وأمر خازن الدار أن يبحث في مخازن دار الخلافة عن لباس سليمان بن عبدالملك، وكان في مخازن القصور العباسية بعض مقتنيات وملابس وأواني بني أمية، فلما أحضرها الخازن وجد الرشيد آثار الدهن في أكمام ملابس سليمان بن عبدالملك، فتعجب من ذلك وأمر الخازن أن يسلمها ل "الأصمعي" هدية له، فكان يزهو بها في شوارع "بغداد"، وإن سئل عنها قال عبارته الشهيرة: "هذه ثياب
وعلى الرغم من تعدد الأقاليم والظروف المناخية والجغرافية في كافة أقاليم الجزيرة العربية، إلاّ أنّ معظم المنقولات والروايات التي تتحدث عن الزي العربي تكاد تُجمع على أنّ "العمامة" و"القميص" و"الإزار" و"البردة" لباس عرفه العرب القدماء على اختلاف مشاربهم وتعدد قبائلهم ومناطق سكنهم، وقد دار حول لبس العمامة حديث طويل بين علماء القرنين المنصرمين.
العرب في حضارتهم
وبعد توسع الحضارة الإسلامية في بلاد فارس والروم وصلت طلائع خيل المسلمين إلى بلاد ما وراء النهر "سيحون" و"جيحون"، ودخل "البربر" و"الأحباش" و"الترك" و"الصقالبة" إلى حضارة الإسلام، وتشارك العرب مع غيرهم من الأعراق والحضارات الجديدة، وعرفوا أنواعاً من الأقمشة والأزياء والملابس التي تتماشى مع الأقاليم التي نزلوها، حتى عُرف عن الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز في شبابه أنّه كان كثير الإسراف في لباسه وعطوره؛ لدرجة أنّ الناس يعرفون أنّه مر بهذا الطريق أو ذاك؛ لما يجدونه من أريج عطره الفواح، كما كان الخلفاء من بني أمية وبني العباس يُعرفون بملابسهم وأزيائهم الفاخرة، ولم يكن ذلك معروفاً في زمن الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - وهم الذين كانوا في لباسهم وزيهم كحال عامة الناس في المدينة، بل كانوا يلبسون الثوب الواحد مراراً ويرقعون نعلهم ومآزرهم، حتى لقد وصل عمر الفاروق - رضي الله عنه - بيت المقدس، وفي ثوبه ما يقارب من سبع عشرة رقعة، وكذا كان أبو الحسن علي - رضي الله عنهما - لا تفرق بينه وبين عامة الناس بهندامه وتواضعه.
"القلانس" الطوال
وعُرف العباسيون باللباس الأسود توائماً مع راياتهم السود، وقد ذكر المؤرخون أن "أبا العباس السفاح" - أول خلفاء بني العباس - ترك حين وفاته عدداً من "الجُبب" و"البرد"، وفصَّل بعضهم في ذلك - حتى في ملابسه الداخلية - في حين كان "أبو جعفر المنصور" - ثاني الخلفاء العباسيين - يلبس "القلانس" الطوال، وينام على فراش الحرير؛ بغية تخفيف وطأة حرارة الصيف، وكان رغم تقشفه وبخله يأمر كافة أفراد جيشه أن يلبسوا "القلانس" الطوال حتى لقد هجاه الشاعر "أبو دلامة" بقوله:
وكنا نرجي من إمامٍ زيادة
فجاد بطول زيادة القلانس
تراها على هام الرجال كأنّها
دنان يهود حللت بالبرانس
وقيل: إنّ "هارون الرشيد" - حفيد أبي جعفر - هو أول من لبس "القلنسوة" المعروفة ب "الطويلة الرصافية"؛ نسبة إلى الرصافة أحد أحياء "بغداد"، كما تبعه أبناؤه "الأمين" و"المأمون"، ويذكر المؤرخون قصة طريفة حدثت ل "الأصمعي" في مجلس الرشيد، وذلك حين كان يحدثه عن الأقوام السابقة وعاداتهم وأعرافهم، وعرج في حديثه عن بني أمية، وذكر أنّ "سليمان بن عبدالملك" كان نهماً أكولاً، وكان يخبئ الدجاج المشوي في كمه - جيبه -، فتعجب "هارون الرشيد" من هذه المعلومة وأمر خازن الدار أن يبحث في مخازن دار الخلافة عن لباس سليمان بن عبدالملك، وكان في مخازن القصور العباسية بعض مقتنيات وملابس وأواني بني أمية، فلما أحضرها الخازن وجد الرشيد آثار الدهن في أكمام ملابس سليمان بن عبدالملك، فتعجب من ذلك وأمر الخازن أن يسلمها ل "الأصمعي" هدية له، فكان يزهو بها في شوارع "بغداد"، وإن سئل عنها قال عبارته الشهيرة: "هذه ثياب
تعليق