• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دلالة الميثاق وبني إسرائيل في القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دلالة الميثاق وبني إسرائيل في القرآن الكريم

    دلالة الميثاق وبني إسرائيل في القرآن الكريم

    نمذجة حقيقية عن الواقع حاليًّا


    يتمظهر ذلك جليًّا في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 84، 85].

    إن المتأملَ في النصوص التي تتحدث عن بني إسرائيل يرى تخصصهم بجريمة القتل؛ فهو عنوان حياتهم، فمشتقات الفعل "قتل" تسري في عروقهم، فهو ذكرهم في سرهم وجهرهم، جرى منهم جريان الدم من ابن آدم، ولعل السر في أمرهم بقتل أنفسهم تارة أو تمني الموت تارة أخرى؛ ليكون ذلك طريقًا لدخول الجنة وخلوصها لهم من دون الناس، جاء من جنس فعلهم وما اشتهروا به، وهو القتل، تنبيهًا لهم إلى أن ما لا يرضونه لأنفسهم - ولو مجرد التمني - لا يجوز لهم أن يجعلوه للآخرين.

    وإذا كان القتل منكم للناس أيها اليهود طريقًا لبقائكم وقوتكم وخلودكم في الدنيا في ظنكم، فليكن القتل لأنفسكم طريقًا لكم لتملُّك الجنة خالصة لكم، فاقتلوا أنفسكم، فتمنوا الموت.

    فالآية الكريمة تشير إلى أن سياسة بني إسرائيل هي سفك الدماء، والإخراج من البيوت، وتلك سجيتهم، وهذا دأبهم، يقتلون حبًّا في القتل دون تفريق، سواء أكان صغيرًا أم كبيرًا، ذكَرًا أم أنثى، عابدًا أم مشلولًا، فهذه سياستهم؛ الاعتقال، والإبعاد، وتفجير البيوت وهدمها على أهلها، وقتل الأطفال دون رحمة، وقد أخذ الميثاق عليهم بعدم القتل والإخراج من الديار فنقضوه.

    الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل:
    أخذ الله تعالى على بني إسرائيل مواثيق أربعة ثم نقضوها.
    أولًا: أخذ الله تعالى عليهم عهدًا بألا يقتل بعضهم بعضًا، فنقضوه.
    والعجب والعُجاب أن الله تعالى مرة نهاهم عن القتل فقتلوا، وأمرهم عندما عبدوا العجل بالقتل تكفيرًا لذنبهم وضمانًا لهم بدخول الجنة فرفضوا، ثم أمرهم بتمني الموت ويدخلون الجنة فلم يتمنَّوْا ذلك.

    ثانيًا: حرمة إخراج بعضهم بعضًا من ديارهم.


    ثالثًا: حرمة المظاهرة بالإثم والعدوان، وهي سجية من سجاياهم التي ستلازمهم إلى يوم القيامة، وقد ابتدأت المناصرة والدعم بالظلم والعدوان من بني قريظة وقينقاع والنَّضير، واستمر ظُلمهم ومناصرتهم للظلم على مدى الأيام، وهم اليوم وراء حركات التمرد وإثارة الفساد وزعزعة الأمن في الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64].

    رابعًا: فداء الأسرى.
    وقد أعرَض بنو إسرائيل عما أُمروا به من عدم قتل بعضهم بعضًا، وحرمة إخراج بعضهم البعض من ديارهم، وحرمة المظاهرة بالعدوان وفداء الأسرى فخالفوا وفعلوا الثلاث، وأسروا وفادَوْا، فذمهم الله ووبخهم قائلًا: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ [البقرة: 85]، فأطلق الخالقُ تعالى على فعلهم ومخالفتهم أمرَ الله تعالى كفرًا، أما إيمانهم ببعض الكتاب فهو فداء الأسرى، وليتهم ما فعلوا ذلك؛ لأن الأَسْرَ ما جاء إلا بعد العدوان والمقاتلة والإخراج من البيوت.

    والمتأمل في آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن بني إسرائيل يلحظ طبعًا وصفةً فيهم مكررة، وهي كثرة أخذ المواثيق والعهود عليهم، ونقضها وإبطالها، حتى مع بعضهم البعض، وهذا ما يلحظ عليهم، وإلى يوم القيامة، وكأنه طبعٌ جُبلوا عليه لا يستطيعون التجرد منه؛ لذلك يوم أمرهم الله - تعالى - بالتوراة ورفضوها، عاملهم معاملة الحمير، ورفع فوقهم الطُّور، وهددهم إن لم يأخذوا التوراة بقوة فسيسقط الطُّور عليهم، فانقادوا لا حبًّا بالتوراة بل خوفًا من وقوع الجبل عليهم؛ لذا سجدوا على شق وجوههم، والشق الآخر متوجه إلى أعلى جهة الطُّور خوفًا من وقوعه، هؤلاء هم الذين يقولون: نحن أبناء الله، ولا يدخل الجنة أحد سواهم، ﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]!

    ﴿ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى ﴾ [البقرة: 85] قُرئ أيضًا: {أَسْرَى}، والأسير مشتق من الإسار، وهو القيد الذي يشد به المحمل، فسُمي أسيرًا؛ لأنه يشد وَثاقه، وأُسرة الرجل هم رهطه؛ لأنه يتقوى بهم، والأسير من الأَسْر، وقد ورد في قوله تعالى: ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ﴾ [الإنسان: 28].

    فشدُّ الأسر هنا يعني شد المفاصل والأوصال بعضها إلى بعض بالعروق والعصب، وهذا مِن تمام عناية الخالق تعالى بعباده؛ حيث يلحظ الإنسان عناية الله - تعالى - به في مفاصله، كيف تحمل جسمه ويتنقل بها من مكان إلى آخر؟! وهكذا، عندما يقوم إذا كان جالسًا كيف يتمكن من القيام بسهولة، حيث تشتد الأعصاب والعروق فيقوم ويسير، وعندما تكبَرُ سنُّه أو يصاب في مفاصله وتضعف عروقه يظهر الألم، ولا يتمكن من الحركة والتنقل أو القيام إلا بشق الأنفس، عندها يجب أن يتساءل: مَن الذي أودع القوة في أعصابه؟ من الذي مكنه من القيام وأعطاه القدرة على الحركة؟ إنه الله - تعالى.

    ومِن معاني شد الأَسْر:
    القوة التي أودعها الله تعالى في عضلات الإنسان...في جسده...في مَعِدته، وأعطاه من قوة الإرادة والتحكم في عضلات جسده ما يمكنه من قضاء حاجته متى شاء، ويمتنع متى شاء، وتصور لو لم يكن الإنسان يتحكم في وقت إخراج فضلاته فتخرج منه رغمًا عنه كيف يعيش في حرج شديد! إنها عناية الله - تعالى - ورحمتُه بعباده، التي يشير إليها بقوله: ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ﴾ [الإنسان: 28]؛ فسبحانه لا نحصي ثناءً عليه، فليُعبَدْ وحده وليُشكَرْ على نعمه، من هنا جاء الأمر بالصدقة وفِعل الخير على كل سلامى، كما جاء في الحديث الشريف: ((كلُّ سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين صدقة، وتُعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتُميط الأذى عن الطريق صدقة))؛ (رواه البخاري 3 / 1090 رقم: 2827)، وفي رواية: ((في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل))؛(صحيح ابن حبان 4 / 520، رقم 1642).


    والحديث يشير إلى إعجازٍ نبوي شريف، وهو الإخبار عن وجود هذا العدد من العظام في الإنسان؛ حيث رتب على كل عظمة من العظام صدقة في كل يوم بعدد أيام السنة، وهذا ما اكتشفه الطب الحديث؛ حيث يقول: إن الإنسان مكون من هذا العدد من العظام.

    والسُّلامى في الأصل هي عظامٌ في فرسن البعير، وهي أصغر عظمة في البعير، ثم عبر بها عن عظام الإنسان ومفاصله[1].
    ﴿ تُفَادُوهُمْ ﴾ [البقرة: 85] قُرِئَ: {تَفْدُوهُمْ} مِن الفداء، وهو طلب الفدية من الأسير الذي في أيديهم.
    قيل: الفداء إذا كسر أوله يمد ويقصر: فِدى وفِداء، إما إذا فُتح فهو مقصور: فَدًى، يقال: قم فدى لك أبي[2].

    طغيان الهوى وعبودية العِجل:
    لن يُظهِرَ بني إسرائيل على حقيقتهم ويخرج أضغانهم سوى كتاب الله الذي فضح أسرارهم وأزال القناع عن وجوهٍ تعلوها نظرةُ الحقد والرِّيبة تجاه المؤمنين، وأبان عن قدور قلوبهم التي تغلي غيظًا وحسَدًا على هذا الدِّين وأهله؛ فهم الذين يسعَوْن إلى إشعال نار الفتنة والفساد في الأرض، تأمل في قوله تعالى: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ﴾ [المائدة: 64]، فهل بعد هذا البيانِ مِن بيان؟

    ما مِن فتنةٍ أو نار توقد هنا أو هناك، ما من قطرة دم تسيل في الأرض أو فساد إلا بسببهم أو فعلهم، تأملتُ في كتاب الله، نظرت إلى كلمة القتل ومشتقاتها: الفساد، الضرب، التخريب، التعذيب والتفريق، التفجير...إلخ - فوجدت كل ذلك مرتبطًا بهم؛ فعن طغيانهم قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 88].

    والغُلف: جمع أغلف؛ أي: عليها أغطية، وقيل: غشاوة، وقيل: طابع، قال أهل اللغة: غلفت السيف جعلت له غلافًا، يقال: قلبٌ أغلف؛ أي: مستور عن الفهم والتمييز.
    وقرئ: {غلف}؛ أي: قلوبنا ممتلئة علمًا لا تحتاج إلى علم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا غيره.

    قال تعالى: ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 93]؛ أي: أُشرِبوا في قلوبهم حُبَّ العجل، وهذا تشبيه ومجاز يُعبِّر عن تمكين أمر العجل من قلوبهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تُعرَض الفتن على القلوب عرض الحصير، فأي قلب أُشرِبها نُكِتَتْ فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبينِ، أبيضَ مثلِ الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادًّا كالكوز مُجَخِّيًا))؛ أي: منكوسًا؛ (مسند أبي عوانة، ج1 / ص 53).

    وعبَّر عن حب العِجل بالشرب دون الأكل؛ لأن شُرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها، والطعام مجاور لها غير متغلغل فيها[3].

    قلت: ولعلَّ مجيء لفظ العجل هنا ظاهر في النص: ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ﴾ [البقرة: 93] ليعبِّرَ عن مدى تعلق القلوب بحب العجل، حتى غدَا وكأنه ماثل جاثم مستقر في قلوبهم لا يغادرها طرفة عين، وقد ظهرَتْ هذه الحقيقة عندما نسف موسى عليه السلام رمادَه في البحر، فانصرفوا بلا وعي ولا تفكير إلى البحر يشربون منه شرب الهِيم.

    إن أمةً تبلغُ محبةُ العجل في قلوبها درجة الإشباع، ثم تدعي الإيمان وخلوص الجنة لها من دون الناس - هي أمة حمقاءُ كاذبة في ادعاء الإيمان؛ فبئس الإيمان إيمانها.
    والآية تشير إلى جواز ذمِّ الدِّيانة التي يدعي صاحبها أنها تأمره بالشر والفساد والانحراف.


    [1] المعجم الوسيط / 446، الحنبلي / جامع العلوم والحكم / 228، القرطبي /الجامع / 19/150.

    [2] القرطبي / الجامع 2 / 21.

    [3] الجامع / القرطبي 1 / 34.






    الالوكة

  • #2
    شكراً لنقلك الموفق والمفيد ...


    تعليق


    • #3
      جَزَآك الله خير الجزآء ..
      وربي لآيحرمنآ من عطائك ..
      تحيآتي لك




      تعليق


      • #4
        الله يعافيك على الموضوع المفيد ويجزاك عنا كل خير
        الشكر والإمتنان لك

        تعليق

        يعمل...
        X