تويت
- اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين
وزنة الماء بالحصاة طريقة يستخدمها البدو لتوزيع حصص الماء في الأزمات
البدو لايستهلكون الماء عبثا بل يحافظون عليه كالدواءسعود المطيري
في العام 1989م ارتحل المستكشف النمساوي التشيكي لويس موزيل أو موسى الرويلي كما أطلق عليه البدو عبر صحراء الجوف من منازل النوري بن شعلان في طلب الماء بمرافقة أحد شيوخ القبائل وكان للتو قد استمعوا في احد مخيمات البدو لدوي وزغاريد نساء مبتهجات وهن يستقبلن خبر عودة (ظليّل) الذي كان يعتبر ميتا منذ فترة والذي شارك قبل نحو الشهر في غزوة كقائد لجماعته ولكنه أُسر وتركه العدو مع بقية الأسرى لمصيرهم في العراء والتيه بعيدا. فهلك أكثرهم عطشا بينما هام البقية على وجوههم في مختلف الاتجاهات حتى صادف ظليّل خياما تتبع لـ"إحدى القبائل " وشاء القدر الإلهي ان ينزل بيت زعيمهم الذي كان قد وقع في غرام ابنته "ذيبة" وسبق ان رفض والدها تزويجه لكنه بعد ما علم بوفاة والدها أعاد الكره فعقد له إخوتها وزوجهما من بعض, ليعود ظليل إلى أهله وعشيرته يحمل بشرى عودته سالما وخبر زواجه من الفتاة التي هام بها. إلى والدته وعمه لأبيه الذي نحر جملا ابتهاجا بسلامته.
ارتحل النمساوي موسى الرويلي ( موسى بن النمسا ) في طلب الماء مع قافلته وحدث فجأة أثناء المسير أن وثب احد جمال القافلة وضرب بشدة بين إبل الأحمال فوجدوا أن احدها قد انهار تحت حمله وكسرت ساقه الخلفية ولم يكن الرجال قادرين على سحبه من الهوة التي سقط بها ولم يستطيعوا تحمل نواحه الذي سحق قلوبهم فلم يكن أمامهم عندئذ من بديل آخر سوى إنهاء بؤسه في الموقع ومن ثم سلخه وتقطيعه وحمل قطع اللحم إلى حيث يمكن تحميلها.
في الطريق صادفوا بدويا ناجيا من غارة قام بها غزاة قبيلة أخرى معادية وسلبوا قطعانهم وطرحوا عليه سؤلا: هل أخذوا خيامكم أيضا.؟
أجابهم : لم يسمح الله بذلك. عند ما أطبقوا على الخيام لسلبها تصدت لهم النساء اللاتي تسلحن بأعمدة الخيام والهروات بشراسة ودافعن عن الخيام وقتلن وأصبن بعض الأعداء في الموقع وقد ساعدهن في القتال الرجال الأربعة المختبئين في الأكمة المجاورة. في تلك الجنبة الكبيرة هناك جلس أحدهم, وفي تلك الشجرة جلس الثاني يلتقطون أنفاسهم بعد انتهاء الغارة والى اليمين قريبا يمكن رؤية دم أحد الغزاة الذي قتل على أيدي النسوة.
هل فقدتم القطعان.؟
نعم لقد ساقوها كلها أمامهم كغنائم.
وأثناء عبورهم المكان رأوا إحدى الجماجم المرمية لأحد قتلى النساء باقية فريسة للحيوانات وقد تركت دون أن تدفن.
في هذه الأثناء وأثناء المسير استمعوا إلى حكاية حقيقية على لسان الشيخ : كان أطفال أعرابنا يعانون من نقص الماء وكان البدو المعتادون على الجوع والعطش يخافون الأخير أي العطش أكثر من خوفهم من الجوع, ولم يكن الماء يستهلك عبثا أبدا وكان دائما يحفظ كالدواء أثناء الغزوات.
شرح لهم منديل قائلا: في حملات الحرب وأثناء الغزوات يرى القائد أن الجميع يجب أن يحصلوا على كميات متساوية من الماء المتبقي, وعند الغروب يمسك حصاة ويضعها في إناء خشبي ويصب عليها الماء حتى يغمرها بالقدر الذي يراه متساويا وهذه حصة كل واحد منهم ( تسمى القسمة بهذه الطريقة وزنة الماء- المراجعون ).
وطرح موزبل سؤلا آخر: وعند ما ينفذ الماء في الصحراء ماذا تفعلون.؟
إذا اقتضت الضرورة نذبح أسمن الإبل ونشق كرشه ونضعه على عباءة ونضغط السائل منه في قربة ونتركه كي يبرد ويهدأ. إما أن نشربه أو إذا كان كثيفا جدا نستنشقه إلى حلوقنا عبر الأنف, أنا محدثك منديل شربت من هذا الماء في ثماني مرات وليس فينا من لم يذقه ولو لمرة واحدة.
وماذا يفعل العطاشى المسافرون مشيا إن لم يكن لديهم جمل يذبحونه ؟
كان الله في عون هؤلاء البائسين ! منذ زمن غير بعيد تشتت خمسة رجال من أقارب "بنية" أثناء غزوة. فقدوا إبلهم وأسلحتهم وطلبوا من الله ان يساعدهم على الهرب والنجاة بأرواحهم. ربط أحدهم وعاء صغيرا تحت قميصه كان فيه حوالي خمس عشرة حفنة كبيرة من الماء. شقوا طريقهم إلى المخيم عبر الصحراء وكانوا يعيشون على مختلف الأعشاب. ويشربون قليلا من الماء بعد غروب الشمس والريح. في اليوم الثالث لم يبقَ لديهم سوى ثلاث حفنات من الماء. وكانوا جميعا بحالة بائسة من الظمأ وأثار كل واحد منهم رفيقه على نفسه. وصار كل واحد يحث الآخر على شرب الكمية القليلة المتبقية من الماء. لكن أحدا منهم لم يشرب لأنه لم يكن هناك ما يكفي للثلاثة, أخيرا قرروا أن يسكبوا الماء على الأرض. ( تصرف أشبه بالحماقة الساذجة لكنه ينبئ عن عزة يتميز بها البدو لا حدود لها حتى ينجو جميعا أو يهلكوا جميعا) ومن حلم الله أن ذلك حدث في نهاية فصل المطر ( نهاية الربيع وبداية الصيف ) حين لا تكون الشمس محرقة كالعادة. وبعد يومين لم يعودوا يقوون على الاستمرار في المسير فتساقطوا على الطريق بالقرب من بعضهم . وشاء الله أن يجدهم بعض عشيرة (عريب دار) وهم في حالة يرثى لها. ولأنهم يملكون الخبر في كيفية التعامل مع حالات كهذه جلبوا بعض السمن وصبوها أولا في أفواههم وعند ما استطاعوا بلعها أعطوهم الماء على جرعات متباعدة نسبيا, وبذلك كتبت لهم الحياة من جديد. ولو سقوا الماء مباشرة دفعة واحدة في هذه الحال لهلكوا ( قاعدة معروفة عند البدو).
في الخريف والربيع وحسب تقدير موزيل وفق تأكيدات مرافقيه يستطيع الواحد ان يبقى من دون ماء طوال ثلاثة أيام, لكن في منتصف الصيف يبقى يوما واحد وليلة واحدة فقط. أو على الأكثر يوما وليلتين. وفي اليوم التالي يجف حلقه في الغالب ويموت.
في المساء يقول موزبل: كان محمد قد ذهب مع رجال الأمير إلى الجوف من أجل الماء, وكان ناصر قد حاصرته في خيمتنا جمهرة من النساء جئن يطلبن منه بعض الماء. لكن الجميع ذهبن خاليات الوفاض لأن ناصر أكد لهن أننا أنفسنا لا نملك شيئا منه.
تنحر الجمال عند العطش للاستفادة من المياه التي يحتفظ بها
لويس موزيل
صعوبة استخراج الماء من ابار وتكون الصدمة عند جفافها
تعليق